رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

فيلم إباحي

اعترف أننى ترددت كثيرا في طرح تلك القضية من خلال مقالى الأسبوعى هذا، لا لشيء سوى أن طبيعة المجتمع تفرض علينا عدم الاقتراب من قضايا بعينها، غير أننى انتهيت بعد تفكير إلى أن التغاضى لا يعنى سوى مساهمة في انتشار كارثة مسكوت عليها، أدت إلى تدمير ملايين الأسر والشباب، وقد يكون لآثارها المدمرة عواقب أخطر في حالة استمرار الصمت.

 

فقد صدمت منذ أيام ببيانات كارثية صادرة عن محرك البحث جوجل تريندز، أكدت للأسف أن العرب هم أكثر شعوب العالم تصفحا للمواقع الإباحية، والبحث عن كلمتى جنس أو سكس باللغتين العربية والإنجليزية، لدرجة أن إجمالى عدد الباحثين عن الكلمتين فى موقع جوجل فقط يصل شهريا إلى نحو 79 مليون متصفح عربى، هذا بالطبع بخلاف عمليات البحث على محركات البحث الأخرى.

 

ولعل ما يدعو للأسف فى تلك البيانات الصادمة، أنها جاءت مواكبة لإحصائيات كارثية أخرى صادرة عن منصة اليكسا المتخصصة فى تتبع وتحليل وترتيب المواقع على شبكة الإنترنت، أكدت أن تصفح المواقع الإباحية فى مصر وعدد من الدول العربية يعد الأعلى بين دول العالم، فى الوقت الذى زادت دراسة نشرتها دورية الطب الجنسي من تفسير الأرقام السابقة وأكدت أن 30% من الرجال العرب يشاهدون المواقع الإباحية بشكل دوري، فى حين يداوم 6% من السيدات على مشاهداتها.

الممنوع مرغوب

 

الواقع يقول إن مجتمعاتنا العربية المحافظة والمتدينة بطبعها تعتبر مجرد النطق بكلمة جنس من المحظورات، ولذا بات الارشاد أو التعليم أو مجرد الاقتراب من الكلمة داخل العائلة أو فى المناهج الدراسية على اختلاف مراحلها من المحرمات، ولاننا اعتدنا فى مجتمعاتنا العربية أن الممنوع دائما ما يكون مرغوبا، فقد تحول الحديث عن الجنس لدى العرب بالتبعية ومنذ الأزل إلى مادة مشوقة تعج بالمعلومات المغلوطة التى يتم تداولها فى الخفاء أو من زاوية الفكاهة.

 

غير أن الكارثة -طبقا لتحليل العلماء- بدأت بشكل حقيقى مع ظهور الإنترنت، وتوافر المواقع الإباحية بالمجان فى أيدى الجميع، وهو ما جعل مشاهدتها لدى الملايين بمثابة ظاهرة نفسية ومرضية تحتاج إلى علاج، حيث يدخل الشخص في علاقة مع شاشة موبايل أو كمبيوتر تمنحه متعة لحظية، وتتحول مع الاستمرارية إلى إدمان، ثم عزله، ثم فقدان للثقة بالنفس نظرا لعجز الطرفين عن أداء ما يشاهدانه من مشاهد غير طبيعية بتلك الأفلام، وأخيرا الإصابة بالعديد من الأمراض التى تفقدهما القدرة على إقامة علاقة طبيعية، وتؤدى للأسف إلى تدمير الحياة اجتماعيا وأسريا.

 

أعترف أن القضية شائكة، وأن مجرد مناقشتها جهرا قد لا يكون مقبولا نظرا للطبيعة الاجتماعية المحافظة والمتدينة للمجتمع، غير أن حقيقة الأرقام الصادمة التى خرجت عن جوجل تريندز واليكسا تفرض علينا دق ناقوس الخطر، ودعوة الحكومات والأسر العربية وعلماء الدين والاجتماع والطب النفسى، وخبراء التعليم والصحة، إلى ضرورة  تكوين فرق عمل رسمية لدراسة الكارثة وابعادها ودوافعها وكيفية علاجها بشكل هادئ، بعيد عن اساليب التنظير والإنشاء والخطابة، لتدارك كارثة قد تعصف بقيم وعادات وتقاليد المجتمع العربى المحافظ خلال سنوات قليلة.

 

لن أخوض كثيرا فى أسباب وطرق علاج الظاهرة الكارثية التى أصابت ملايين العرب، وتحولت فى غيبة من الحكومة والأسرة والمدرسة وعلماء الدين إلى إدمان ومرض يستوجب العلاج، غير أن إصرار الجميع على اتباع سياسة غض الطرف، ودفن الرؤوس فى الرمال، والاختباء وراء شعارات العيب والحرام، لن يزيد الكارثة إلا انتشارا.
 


أجزم أن العلاج معروف، ولا يحتاج سوى إلى إرادة من الحكومات والمجتمعات معا، ولكن علينا أن نبدأ بالاعتراف بوجود الكارثة وحجمها وخطورتها، ثم التوافق على رؤية محترمة للعلاج تتناسب وطبيعة المجتمع المتدين، بعيدا عن أفكار الإلحاد والمثلية التى قد تفرض علينا فى حالة الصمت ما هو أخطر وأكثر كارثية.. وكفى.

Advertisements
الجريدة الرسمية