رئيس التحرير
عصام كامل

إحنا في أزمة

لا أدرى لماذا لا تسارع الحكومة بمصارحة الرأي العام بحقيقة وحجم الأزمة الاقتصادية التى تعيشها مصر فى الوقت الحالى، لاسيما وأننا على مشارف حوار وطني يحتم المكاشفة وطرح الأوضاع بكافة سلبياتها وإيجابياتها استعدادا لما هو قادم، في ضوء التحديات العالمية التي فرضت على المصريين واقعا صعبا، وقد تفرض الأصعب خلال الشهور القادمة.

 

المتأمل في حقيقة الأوضاع الاقتصادية في مصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة دون تحيز، يستطيع أن يجزم بأن التبعات المؤلمة لأزمة كورونا، والمردود الكارثى لاشتعال الحرب الروسية الأوكرانية، قد أضرت بالاقتصاد المصري بشكل كبير، وألقى على الموازنة المصرية بأعباء لم تكن فى الحسبان، لاسيما بعد الارتفاع الهائل فى أسعار كل السلع الأساسية فى الأسواق العالمية، وتراجع عائدات السياحة، في ظل برنامج إصلاح اقتصادي صعب بدأته الدولة منذ 6 سنوات، وخطة تنمية طموحة يصعب التراجع عن استكمالها حتي في ظل الأزمة.

 

وحتى نعي مدى خطورة الوضع الاقتصادي الحالي في مصر دون مواربة، والذى يحتم على الحكومة ضرورة إعلانه لكل المصريين، فإن لغة الأرقام تؤكد أن الحرب الروسية الأوكرانية قد ألقت على الموازنة المصرية بأعباء إضافية تتراوح ما بين 25 و30 مليار دولار، نتيجة للارتفاع الضخم في أسعار القمح والبترول، في الوقت الذى تؤكد فيه الأرقام أن التزامات فوائد خدمة الديون الخارجية فى الموازنة الجديدة سوف تتطلب ما يقرب من 38 مليار دولار، بزيادة تبلغ نحو 19.1% عما تم رصده في الموازنة الحالية.

مصارحة ومكاشفة

 

وعلى الرغم من وجود شبه إجماع من الخبراء على أن العبرة بالقدرة على الوفاء بالتزامات الديون وليس بحجمها، ونجاح الحكومة المصرية طوال السنوات الـ 6 الماضية فى سداد كافة التزاماتها التى وصلت منذ موازنة 2016 - 2017 وحتى النصف الأول من العام الحالي إلى نحو 83.1 مليار دولار، إلا أن المكاشفة تقتضى الاعتراف بأن التزام الحكومة بالوفاء بمتطلبات خدمة الديون خلال السنوات الماضية لا يعنى قدرتها على الاستمرار فى الوفاء بتلك الالتزامات الثقيلة فى ظل التبعات الكارثية والمباشرة للأزمة على الاقتصاد المصري.

 

ولآن الحديث هنا يتعلق بسمعة مصر الحضارة والتاريخ، فإن أكثر ما يثير المخاوف فى حالة التعثر عن سداد الديون، أن تنجر الحكومة مضطرة إلى فخ الاستدانة من أجل السداد ، والذى يعد بمثابة دوامة اقتصادية لن تنتهى، ولاسيما في ظل الإصرار الغريب من الحكومة على السير فى نهج الاقتراض، والذى قفز بالديون الخارجية خلال السنوات الـ 5 الأخيرة بنحو 63 مليار دولار، حيث ارتفع من 82.88 مليار دولار فى نهاية 2017 إلى 145.5 مليار دولار مع نهاية العام الماضي، من بينها 32 مليار دولار  فى عامى 2020 و2021، وسط توقعات بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي خلال الشهور القليلة القادمة، وهو ما قد يزيد الأمور تعقيدا.

 

المؤكد والثابت أن الاقتصاد المصري قد نجح في الصمود وتخطى كثيرا من الأزمات خلال السنوات الأخيرة، وأن هناك توقعات متفائلة أوردها تقرير الآفاق الاقتصادية الصادر عن البنك الدولي بارتفاع نمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الحالي بنسبة 6.1%  أى أن الأمل في التعافى موجود رغم الأضرار المباشرة للأزمة العالمية، غير أن ذلك مرهون بخطوات لابد للحكومة من السير فيها بشكل متوازى وسريع.

خطوات الإصلاح

 

يأتى فى مقدمة تلك الخطوات، التوقف بشكل كامل عن الاقتراض حتى وإن كان ذلك على حساب تقنين خطة التنمية العمرانية الضخمة، وتوجيه الجزء الأكبر من خطة التنمية والاستثمارات المباشرة للمشروعات الزراعية والصناعية، التى تنعكس في صورة صادرات تعود على البلاد بحصيلة ضخمة من النقد الأجنبي، تكفي لتغطية متطلبات خدمة الديون الخارجية الضخمة، وتوفير متطلبات البلاد من السلع الأساسية المستوردة، وضمان استكمال خطة التنمية.

 

كما أن حجم الأزمة والضرر الذى لحق بالبلاد يستدعى اطلاع الدول الشقيقة لاسيما المرتبطة بمصر أمنيا واستراتيجيا بحقيقة الأوضاع وطلب المساعدة، خاصة فى ظل التوقعات التى تتحدث صعوبة ما هو قادم في حالة عدم تلقى الحكومة لمعونات مالية مباشرة وسريعة من الخارج قبل نهاية العام الحالى، للوفاء على أقل تقدير باحتياجات البلاد الضخمة من القمح والبترول.

 

حجم الأزمة يستدعى من الحكومة أيضا ضرورة الاستماع للمستثمرين والتعرف على المعوقات العقيمة الموجودة منذ سنوات، والتى جعلت مئات المليارات من الدولارات تنسحب من السوق المصرى إلى دول شقيقة، نظرا للبيروقراطية المتأصلة، والضرائب مختلفة الأشكال والأنواع التى لا مثيل لها فى العالم، والتى جعلت من مصر بلد طارد للاستثمار وليس جاذب له.

 

 

كما يحتم الأمر على الحكومة ضرورة إعادة النظر في حالة الركود التى أصابت الأسواق المصرية خلال السنوات الـ 4 الماضية بسبب الشروط الغليظة للبناء، التى حرمت السوق المصري من مليارات الجنيهات التى كانت تضخ فيه سنويا نتيجة لحركة البيع والشراء وعائدات بيع الأراضي، والقت بنحو 10 ملايين من العمال الكادحين إلى طابور البطالة، وهى منظومة قادرة بمفردها على إعادة الانتعاش إلى الأسواق.

المؤكد والثابت أننا في أزمة، وأن هناك ظرفا عالميا قد أضر بنا، غير أن المصارحة والمكاشفة وإعادة النظر فى بعض السياسات تعد أولى خطوات الحل، وإلا سنظل كأصم  يصرخ داخل قبو مظلم حتى يموت.. وكفى.

الجريدة الرسمية