رئيس التحرير
عصام كامل

لجنة نوار.. والمهمة المستحيلة!

أمَا وقد التأم تشكيل جديد للجنة الموحدة لاختبار القراء والمبتهلين بالإذاعة والتليفزيون.. فإنَّ هنا سؤالًا يطرح نفسه بقوة وليس على استحياء: هل كانت اللجان السابقة هي السبب الوحيد والرئيس في اعتماد عشرات القراء والمبتهلين عديمي الموهبة؛ حتى تشابهت أصواتهم علينا، وإنا إن شاء الله لمهتدون؟ الإجابة: قولًا واحدًا.. لا؛ فهذه اللجان لا تتحمل وحدها الجانب الأكبر من المأساة التي حَلَّتْ بساحة دولة التلاوة المصرية ولا بجمهورية المبتهلين والمنشدين الدينيين، والإصرار على تحميلها هذه المسؤولية خطأ جسيم وعوار مبين وسوء تقدير للأمور.


ابتداءً.. فإن أية لجنة في أية جهة حكومية ليست أكثر من إطار صوري يهدف إلى إضفاء الشرعية على القرارات الخاطئة وتقنينها وتمريرها، ومن ثمَّ فإن مثل هذه اللجان عمومًا لا تمتلك صلاحيات كاملة، كما لا تملك قرارها. اللجنة-أي لجنة- قد تقر قرارات معينة، ولكنها تفاجأ بغيرها من أصحاب الأمر والنهي، وحينئذ.. لا يملك أعضاؤها الاحتجاج أو الاعتراض؛ حتي لا يذهبوا ويأتي آخرون لا يحتجون ولا يعترضون. 

 

قبل عامين بالتمام والكمال.. كتبتُ هنا عن الطريقة التي تم تمرير أحد القراء بها، وكيف أن مسؤولًا رفيع المستوى هو الذي أمر رئيس الإذاعة وقتها باعتماد صوته الضعيف جدًا والمتداعي جدًا دون اختبار أو عبر اختبار وهمي، فهل من العقل أن نلقي بالمسؤولية على لجنة الاختبارات في هذا الوقت؟ المدهش في الأمر أن هذا القاريء الضعيف جدًا تم تجميده ووقفه وإبعاده فور خروج المسؤول الكبير من منصبه، وقس على هذه الواقعة وقائع أخرى مشابهة داخل الإذاعة وخارجها، بطول مصر وعرضها! 

مهمة لجنة الاختبارات


هذه واحدة.. أمَّا الثانية.. فإنَّ اللجنة، التي لم تتضمن في تشكيلها الكبير سوى قارئين اثنين فقط، أحدهما غير إذاعي من الأساس، هل يمكنها أن تتصدى للضغوط  الثقيلة التي كانت اللجان السابقة تتعرض لها، فلا تخضع ولا تتواطأ ولا توائم في كتاب الله، أم سوف تضطر رغمًا عنها إلى اعتماد قراء غير متقنين، ومبتهلين غير مبدعين، طوعًا أو كرهًا.. وكأنك يا أبو زيد ما غزيت؟ 


ومن الثانية إلى الثالثة: هل تؤمن اللجنة الجديدة بأنها تضطلع بمهمة أكبر من مجرد اختيار الأصوات السليمة و"فلترتها"، أم تكلف نفسها بالسفر إلى المحافظات، وتنقب عن المواهب المدفونة في غياهب الأرياف والأقاليم التي لا يملك أصحابها الجرأة على الحضور إلى مبني ماسبيرو والدوران في أروقته ومكاتبه العنكبوتية؟


معظم مشاهير القراء وعمالقة التلاوة خرجوا من أعماق الصعيد والريف ولم يطرقوا أبواب الإذاعة بالطريقة التقليدية مثل: الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد، بل إن منهم من ذهبت إليه الإذاعة في مسقط رأسه مثل: الشيخ محمد صديق المنشاوي، ومنهم من جذبت موهبته اهتمامًا ملكيًا أو رئاسيًا مثل: الشيخ مصطفى إسماعيل، ما يعني أنه لا يرُتجى من هذه اللجنة أو غيرها خيرٌ إذا تعاملت مع المهمة المسندة إليها بشكل روتيني بحت، وليس بهدف اكتشاف مواهب قرآنية حقيقية وتسهيل مهمة أصحابها في الاعتماد الرسمي بعيدًا عن الاستعانة بمسؤول كبير أو التستر وراء كارت توصية من أحد أعضاء البرلمان. ويكفى أن نعلم هنا أن سيدة نافذة تدخلت من قبل لاعتماد أحد القراء؛ لمجرد أنه كان يُحفِّظ القرآن الكريم لأحفادها.. فهل هذا يستقيم؟!


أستاذ محمد نوار رئيس الإذاعة المصرية ورئيس اللجنة الموحدة لاختبارات القراء والمبتهلين.. أعلم تمامًا الظروف والملابسات التي تم تشكيل اللجنة بسببها، وأعلم يقينًا أنها كانت خطوة انفعالية لامتصاص ردود الفعل الغاضبة من كثرة أخطاء قراء الإذاعة وخطاياهم. ورغم تحفظي الشديد على التشكيلة الجديدة جُملة وتفصيلًا، وإيماني التام بأن اللجنة لن تصلح ما أفسده الدهر، إلا إنني أتمنى أن تخلفوا الظنون بكم، وأن تقوموا بدوركم على أكمل وجه، وأن تتجردوا من الغرض والهوى؛ فالغرض مرض، والهوى ضعف وقلة حيلة.

 


أمَّا السؤال الأهم يا أستاذ نوار فهو: هل تملك اللجنة الموقرة-كما جاء في قرار تشكيلها- استبعاد مَن تم اعتمادهم خلال السنوات العشرة الماضية، باعتبارها الحقبة الأسوأ في تاريخ دولة التلاوة المصرية، التي شهدت تمرير مجموعة كبيرة من الأصوات الباهتة والمواهب الشائهة والحناجر الصدئة، أم تتغاضى عنهم؛  فتكون  أشبه بسقط المتاع؟

الجريدة الرسمية