رئيس التحرير
عصام كامل

من التاريخ.. كواليس خلع السلطان عبد العزيز وبداية النهاية لـ"الدولة العثمانية"

السلطان عبد العزيز
السلطان عبد العزيز الأول

في مثل هذا اليوم من عام 1876، أُطيح بالسلطان العثماني عبد العزيز الأول، ابن السلطان محمود الثاني، والخليفة الرابع بعد المائة وسلطان العثمانيين الثاني والثلاثين والرابع والعشرين من آل عثمان الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة. 

 

عن نشأته 

وُلد عبد العزيز في 9 فبراير 1830، وهو الابن الثاني للسلطان محمود الثاني والسلطانة برتونيال؛ بعد وفاة والده محمود الثاني أصبح شقيقه الأكبر عبد المجيد سلطانًا في السابعة عشرة من عمره، حينها كان عبد العزيز لم يتجاوز العاشرة. 

تولى الخلافة في 7 يونيو 1861 بعد وفاة شقيقه عبد المجيد وتقلد السيف السلطاني وفق العادة المتوارثة مذ أن فتح العثمانيون القسطنطينية، ومنه سار لزيارة قبر السلطان محمد الثاني فاتح إسطنبول ثم قبر والده السلطان محمود الثاني، واستحدث وسامًا خاصًّا أسماه «الوسام العثماني» يمنح لمَن قدَّم خدمات جليلة للدولة، وقدَّم وسامه في المرتبة على الوسام المجيدي الذي استحدثه أخوه.

على عكس سلفيه محمود الثاني وعبد المجيد الأول، لم تشهد الدولة العثمانية خلال عهد السلطان عبد العزيز حروبًا خارجية، كذلك لم تشهد سلطنته فقدانًا لأراضي الدولة وتقلصًا في مساحتها، كما حصل في سائر عهود عصر انحلال الدولة، بل استطاع عبد العزيز الحفاظ على أملاك دولته، أما المناطق التي شهدت ثورات فقد استطاعت الدولة العثمانية التعامل معها بالحزم والسياسة بحيث لم تؤد لفقدان أملاك وأراض.

 

التمرد عليه 

مع انخفاض واردات الدولة العثمانية المالية، وتزايد النفقات خاصة النفقات الحربية إبان الحروب مع محمد علي باشا في بلاد الشام، والحرب مع مملكة اليونان وحرب القرم، والقروض المتزايدة من الخارج، انخفضت قيمة النقد العثماني وارتفعت عجز موازنة الدولة، حتى قدرت بخمسة وثلاثين مليونا، ومع الوقت أخذت الدولة تعمد إلى الاستدانة لدفع أقساط قروضها السنوية.

تزايدت المظاهرات ضده، وزاد تمرد الوزراء وعلماء الدين وسائر كبار الموظفين من المدنيين والعسكريين، وبدأت المطالبات مع تفاقم التمرد بخلع السلطان، وكان يتزعم هذا الحزب وزير الحربية حسين عوني باشا ذو السلطة الواسعة في الجيش، ودخل شيخ الإسلام خير الله أفندي على نفس المنهج، ومع زيادة الاحتقان وتوسع دائرة التمرد أصدر خير الله فتوى بخلع عبد العزيز لينضم الصدر الأعظم إلى المطالبين بعزله، واتفقوا مع سفيري إنجلترا والنمسا، وتأهب الأسطول الإنجليزي للتدخل لإنقاذ قادة الانقلاب في حال حصل أي طارئ.

 

خلع السلطان

مساء الإثنين 29 مايو 1876 توجه سليمان باشا رئيس المدرسة الحربية في الآستانة، ومعه رديف باشا إلى ثكنات الجيش في كموش صوي وطاش قشلة، كما توجه أحمد باشا إلى الأسطول العثماني، وأصدر سليمان باشا أمر احتلال طريق بشكطاش المؤدية والحدائق المحيطة بقصر دولمة بهجة.

في الوقت نفسه، أغلق الأسطول حركة القوارب في البحر قطعًا للمواصلات بين القصر والبحر، وبعد اشتباكات خفيفة مع مخافر الحرس السلطاني سلّموا سلاحهم، وربما كان التهديد بقصف القصر من البحر عاملًا أساسيًّا في ذلك، ليصبح السلطان محاصرًا لا سيما بعد أن احتل طلاب المدرسة الحربية الطريق إلى القصر وحدائقه. 

انطلق المتمردون إلى الأمير مراد ليخبروه بارتقائه العرش، ونقلوه إلى مبنى وزارة الحربية حيث كان الوزراء في انتظار «الخليفة الجديد»، وبعد وصوله وأمام الوزراء وكبار الضباط ونقيب الأشراف وشريف مكة قرأ شيخ الإسلام فتوى خلع السلطان، وبعد أن تمت قراءة الفتوى أطلقت المدفعية مائة طلقة وطلقة معروفة باسم «مدافع الجلوس» وسار المنادين في شوارع الآستانة يخبرون بحادثتي الخلع والارتقاء، وقيل أن سكان الآستانة قد ابتهجوا بهذا الانقلاب، ولم يأسف أحد على خلع السلطان لا في الداخل ولا في الخارج. 

 

نهاية القصة

قام رديف باشا بإبلاغ السلطان عبد العزيز نبأ خلعه بعد مبايعة مراد الخامس، وكان عبد العزيز قد استيقظ بعد أن سمع المدافع واعتراه القلق لظلنه أن المدافع تطلق على عدو، وأن حربًا قد نشبت في إسطنبول، ولم يبد عبد العزيز أي مقاومة بعد أن رأى الجند يحاصرون القصر. 

غادر إلى قصر الباب العالي بزورق يرافقه اثنين من أولاده، هما: يوسف عز الدين ومحمود جلال الدين، وتبعته زوارق أخرى تحمل أمه ونساءه وجواريه وخدمه، وفي أعقاب مغادرته اتجه موكب مراد الخامس من مبنى وزارة الحربية إلى قصر دولمة بهجة، وبعد أربع أيا فقط توفى عبد العزيز في كواليس غامضة، البعض قال أنه انتحر، وهناك روايات آخرى تؤكد مقتله. 

ويعتبر بعض المؤرخين أن خلع عبد السلطان العزيز كان البداية الحقيقة في مشوار إسقاط الدولة العثمانية؛ فجميع خلفائه مراد الخامس وعبد الحميد الثاني ومحمد السادس وعبد المجيد الثاني لم يستمروا في الجلوس على العرش حتى وفاتهم بل تنازلوا طوعًا أو كرهًا، وقد قيل إن الدولة العثمانية كانت تسير نحو نهايتها حتى عهد عبد العزيز بسرعة عربة يجرها حصانان، لكنه بعد عزله أصبحت تسير نحو النهاية بسرعة قطار.  

الجريدة الرسمية