رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مهلًا رمضان

أيها الحبيب تمهل.. رفقًا بقلوب أنست بقربك وأرواح وجدت حياتها في مكمن خشوعك، واستأنست بنفحاتك العظيمة، حقًا يا رمضان لقد هامت في لياليك القلوب مع بارئها، وسكنت الجوارح، فتطهرت الذات وتحرر القلب من الأوهام، وتخلص العقل من طغيان الجسد وجوره عليه، وإذا كان نقاء النفس وهدوئها هو غاية إيمانية، فإن رمضان هو الأداة التي منحها الله -سبحانه وتعالى- لخلقه لتطبيق هذه الحقيقة التي دارت حولها كل النظريات الفلسفة..

 

فلا تجد النفس تقبل على قيم العدل والخير كما في رمضان، لا تنصرف بالمادة عما وراءها ولا تُحجب بالمظاهر عن الحقائق، سواء مع الذات من تنعمها بالعبادة، أو مع الغير بداية من لين الحديث وبشاشة الوجه مرورًا بكل أعمال العون والمساعدة.

 

نفحات رمضان

 

ما ينال الإنسان من شهر رمضان سواء كان هذا الإنسان في فتوته وهرمه، أو في غنائه وفقره، وضعفه وقوته، أكثر بكثير مما يناله في أي وقت غيره، فلو فكرنا مليا في هذا الشهر لوجدنا أنه رسول زماني يأتي ليعظ أرواحنا وعقولنا، ومربي يرقي جوارحنا، وحكيم يرشدنا إلى الفطرة النقية التي جبل الله -سبحانه وتعالى- الخلق عليها، ونفحات رمضان هي طريق للخلاص من شرور النفس، التي جعلتنا نفقد المعني الحقيقي للحياة، الذي جاء رمضان ليذكرنا به، وخلاصة القول فيه، أنه جاء لرفع شأن الإنسان وحثه على ممارسة الفضيلة بشكل عام.

 

وفي يقيني أن الحديث عن وداع شهر رمضان، وافتقاد حالة القرب بين العبد وربه، هي نظرة شكلية فقط، وبكاء من ملك ولم يغتنم، فلو كان الأمر مقبولًا من حيث خصائص السنن الكونية من تبدل الأيام وتعاقبها، إلا أنها لا تجد لها حظًا فلسفيًا، فالذي يبدأ وينتهي؛ هو هذه الأشياء المادية، فمن يظن أن اتصاله بربه مقصور على وقت بعينه أو لحظة بذاتها هو واهم، والحقيقة أن الله موجود وقريب منا في كل لحظة وفي أي مكان "وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ"، فمن عرف حاجته وضعفه وفقره لربه، واستعان بنعمه على طاعته، وشعر بإخوانه الفقراء وسار في حاجة غيره، لم يفارقه معنى رمضان.

 

وهنا يجب أن نشير إلى أمرين أولهما: أن شهر رمضان هو زمن جاء حاملًا معنى فإذا أنقضى زمنه بقي معناه، وعلينا ان نعض عليه بالنواجذ، والثاني: إن هولاء الباحثين عن الفضيلة السالكين في كل درب من دروب خصالها، مستمسكين بكل هذه المعاني التي جاء رمضان ليزرعها فينا، فتستطيع القول إن رمضان لم يفارقهم، لأنهم رغم إدراكهم الحسي بشهر رمضان لم يغفلوا المعنى ولم يضيعوه..

 

هذا المعنى الذي عمد إليه الصالحون للوصول إلى ذروة الإتقان الذهني والتخلص من طغيان الجسد، وهي وصية جلية جاء بها الله تعالى في قوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُم الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" وهو هنا سبحانه لا يريدنا أتقياء في رمضان فقط، ولكنها وصية لما بعد رمضان، لأن التقوى هي المخرج الحقيقي للمسلم من كل مصاعب الحياة، فحري بالمسلم أن يحمل معه خصال رمضان طيلة دهره.. فاللهم إن كانت النصيحة سهلة، فلا تجعل علينا من الصعب قبولها.

Advertisements
الجريدة الرسمية