رئيس التحرير
عصام كامل

قاموس التفاهة

المشهد يبدوا فكاهيا إلى حد البكاء!!، حالة الضحك الهيستيري على زيارة كوكسال بابا والطريقة التي تم استقباله بها هي أمر استفزازي لدرجة كبيرة، سحابة من الغشاوة تغطي أشياء جميلة وتُظهر أننا مغرمون ب التفاهة، عاصفة من السخف تضرب عقولنا وأفكارنا، ريح عاتية تجتاح ذوقنا العام، كل هذا وأكثر نتيجة هذا الفعل وما شابهه من إطلالة هنا وجلسة تصوير هناك. 

 

منظومة التفاهة التي يحاول البعض أن يجعلها بديلًا لمنظومة المثل العليا التي تربت عليها مجتمعاتنا طيلة عصورها، تضرب باهتمامات أجيال قادمة، تُبدل قاموس أولوياتنا بآخر، مفرداته تافهة، ليس المضحك في الزيارة تصرفات كوكسال بابا ولكن طريقة التعامل معها، لم يأتِ كوكسال بابا الذي أضحك الملايين حول العالم ليُضحكنا هذه المرة، وإنما ضاحكًا على البعض من المغيبين الذين لم يحترموا الذوق العام الذي تربينا عليه. 

 

منافسة عبثية

 

الاهتمام ب التفاهات على هذا النحو، شوه اهتمامات وأحلام وآمال قبل أن تخطوا وتكبر، لتُقابَل بهذا الكابوس، وبشكل لا إرادي يَخرج جيلًا مهتمًا بالسخافات التي لا تفيد الأمم ولا تساعد على رقي المجتمعات، ولا أبالغ أن قولت إن ثمار هذه التفاهات مسمومة، بل تصل إلى حد القتل لأشياء جميلة داخل وجدان شبابنا. 

 

البلوجر الذي صور حياته بتفاصيلها اليومية بصورة مضحكة لفتت أنظار الكثيرين حول العالم، حتى صارت مادة ثرية للضحك والفكاهة، جعلنا منه هو ونظرائه، نموذجًا للاهتمام المطلق والتقدير المبالغ، وتسببنا في صرف أنظار الشباب عن كثير من النماذج المهمة والملهمة لهم. 

 

أن يتم الاستفادة من عدد متابعي كوكسال بابا على وسائل التواصل لإظهار ما لدينا من معالم وجمال لبلدنا هو أمر إيجابي، لكن تبدل كل شيء من الإيجابية إلى السلبية، وانشغل متابعوه بمتابعتنا ونحن نحاول أن نُضحكه على غير عادته، حيث اعتاد أن يضحكهم هو، وافتقدنا للحصافة التي لو كانت لدينا؛ لبدلنا ضحك الرجل لحالة من الإبهار لمتابعيه بما لدينا من معالم وتاريخ أقل ما فيه مبهر وخالد، وبدل من الزخم الذي طوق الرجل، كان الأمر يتطلب رجل أو اثنين يشرفوا على زيارته، ويجعلوه يستعرض صور لمعالمنا من خلال  حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، أو أن يمضي في صمت دون الحاجه إلى تصوير زيارته وكأنها حدث لا يتكرر كل مائة عام. 

 

المنافسة الحامية من البعض لأخذ تصريحات منه، أو لتصوير تصرف عبثي يقوم به، هي منافسة مُغيبة لأنها تجردت من قوانين المنافسة الطبيعية المرتكزة على مجموعة من الضوابط تجعلها مفيدة ونافعة، وهنا يكمن الخطر، فكم من الشباب نتيجة هذه المنافسة العبثية حاول تقليد تصرفاته وحركاته؟، وكم منهم بات حالما بأن يسلك مجاله؟، نتيجة الدفع بهم نحو هذا التوجه، هل أدرك كل من شارك في هذه المنافسة أنه وجه دعوة صريحة للشباب لمهنة البهلوان؟، وهل هذه هي النماذج التي نحتاج أن نجعلها قدوة لشبابنا؟!.

 

 

والآن.. هذه التفاهة لا يمكن أن يلغيها الصمت أو تطويها الأيام، فعلى المثقفين والعاقلين أن يتحركوا في إصرار وعزيمة للحديث وحشد الأفكار المفيدة وإظهار القدوة والمثل العليا، حتى لا تضرب مثل هذه التفاهات قيمنا، فتتحول من كونها تفاهة إلى جريمة في حق حضارة، كافحت أجيال من أجل ترسيخها. 

وفي النهاية من يَحمل كلامي محمل التهويل من خطورة الأمر، فعذري فيه الخوف على أشياء جميلة، إذا ما هي حجتكم في التهويل من التفاهات، التي أأسف لقلمي أن اضطررته ليكتب عنها، لكن القصد أسمى من النقص أوالتنزيه.

الجريدة الرسمية