رئيس التحرير
عصام كامل

بعد عودة الإخوان المسلمين لـ"المربع الأول".. باحث بمعهد واشنطن: سلوك الجماعة الاستبدادي نفّر ملايين المصريين منهم.. أعضاؤها مستعدون لتقديم تنازلات لمواجهة الخصم الصعب.. وفرصهم للفوز ضد الجيش محدودة

أريك تراجر زميل الجيل
أريك تراجر زميل الجيل القادم في معهد واشنطن

بعد مرور عام واحد على وصول جماعة الإخوان المسلمين، إلى سدة الحكم، وبعد أن أدى سلوكها الاستبدادي خلال تلك الفترة إلى تنفير ملايين المصريين، عادت "الجماعة" إلى المربع الأول، ذلك ما أكده أريك تراجر، زميل الجيل القادم في معهد واشنطن في تحليله السياسي بعنوان "لماذا لن تتراجع جماعة الإخوان المسلمين".


يقول تراجر: على مدى ستة عقود قبل انتفاضة عام 2011، كانت "الجماعة" جالسة في صفوف المعارضة، ومعرضة لهجوم نظام عسكري، لكن الأمور تختلف هذه المرة، فبعد أن قامت قوات المسلحة المصرية بعزل الرئيس محمد مرسي واحتجاز قادة "الإخوان"، وإصدارها مذكرات اعتقال بحق أكثر من 300 شخص، كما أفادت التقارير، وإغلاق المحطة التليفزيونية لـ"الجماعة" وكذلك بعض مكاتبها، ومقتل 53 وإصابة المئات في مظاهرة أمام مقر "الحرس الجمهوري"، فلا يبدو أن "الإخوان" سينسحبون من المشهد بهدوء.

وذكر "تراجر" أن الإخوان دعوا لقيام انتفاضة، وتعهدوا مرارًا وتكرارًا بتصعيد احتجاجاتهم إلى حين يتم إعادة مرسي، ويبدو أن إصرار "الإخوان" على مواصلة القتال يأتي إلى حد ما، نتيجة رؤيتهم للأحداث، إذ تقول "الجماعة" إن مرسي كان رئيسًا منتخبًا، وأمامه ثلاث سنوات أخرى في فترة ولايته، ومن ثم، تضيف بقولها بأنه يجب السماح له بإكمال مدة رئاسته ثم مواجهة الناخبين في الانتخابات القادمة، سواء كان رئيسًا جيدًا أم لا.

لكن أنه من الناحية التاريخية، كان "الإخوان" مستعدون لتقديم تنازلات، بشأن تلك المبادئ عند مواجهتهم خصم لا طاقة لهم به -حسبما قال تراجر- "ففي يونيو قال لي عبد الجليل الشرنوبي، عضو سابق في الجماعة، كان لـ "الإخوان" سقف - لا نلمسه ونلعب أسفله".
أوضح الشرنوبي لتراجر "أن الرئيس حسني مبارك كان هو السقف قبل انتفاضة 2011، فقد وضعت "الجماعة" حدودًا داخلية حول المدى الذي يستطيع معه أعضاؤها مهاجمة نظام مبارك، لذا فإن انتقاد بعض الوزراء كان أمرًا لا غبار عليه، لكن مهاجمة مبارك شخصيًا لم تكن أمرًا مقبولًا، مع بعض الاستثناءت بين الحينة والأخرى".

وأضاف الشرنوبي -في حديثه لتراجر- أنه عقب الإطاحة بمبارك أصبحت واشنطن هي السقف، حيث كان "الإخوان" يخشون من أن مواجهة الولايات المتحدة بشكل مباشر حول مصالحها الرئيسية سوف يقود إلى استجابة مدمرة، ولهذا السبب لم يقم "الإخوان" بإلغاء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل من عام 1979، رغم معارضتهم الواضحة للاتفاقية ولوجود إسرائيل من الأساس.

وفي ضوء هذه الخلفية -حسبما أكد تراجر- ربما كان للمرء أن يتوقع أن ينظر الجيش إلى "الإخوان" باعتبارهم هم السقف حاليًا، فالجيش في النهاية هو أقوى مؤسسة في مصر ويمكنه التغلب على "الجماعة".
وخلال رئاسة مرسي، تعامل "الإخوان" مع الجيش -أحيانًا- على أنه خارج نطاق السيطرة، ليقول تراجر: "قد احترمت "الجماعة" استقلال الجيش وفضلته على مصالحها الاقتصادية الخاصة والقضايا الدفاعية، بل إنها رسخت ذلك الاستقلال في الدستور الذي صدّق عليه مرسي بعجلة في ديسمبر.

وبالرغم من أن فرص "الإخوان" للفوز ضد الجيش تعد محدودة، إلا أنهم يبدو مستعدين لمواصلة الصدام لسببين، أوضحهما تراجر، أولًا، يشك أعضاء "الجماعة" في أن الجيش موحد ويؤيد الاستمرار في حملة القمع الجارية، وهم يرون احتمالية حدوث انشقاقات داخل صفوف الجيش حال تصعيد الجنرالات للعنف بصورة أكثر.

ويقول تراجر بالرغم أن تفكير الجيش المصري على المستويات الأدنى من الجنرالات يكتنفه الغموض، إلا أن التاريخ الحديث يعزز رهان "الإخوان" ومن بين النظريات الأكثر معقولية بشأن إخفاق الجيش في إعطاء الأوامر بقمع المتظاهرين في "ميدان التحرير" أثناء انتفاضة 2011، أن الجنود المتمركزين في "الميدان" كانوا سيرفضون إطاعة الأوامر، الأمر الذي كان سيتسبب في حدوث فوضى، مؤكدًا أنه سواء كان هناك الكثير من المتعاطفين مع "الإخوان" داخل الجيش أم لا - من المستحيل معرفة ما إذا كان هناك متعاطفون أم لا- فإن قادة الجيش المصري كانوا دائمًا يواجهون خطر قيام الجنود، الذين يتم تجنيدهم من خلال عملية تجنيد عامة، برفض إطلاق النار على مواطنيهم.

ويضيف تراجر: يرى "الإخوان" كذلك أن حلفائهم داخل الجيش سوف يحاولون منع شن هجوم شامل ضد "الجماعة"- مستندًا على ما يقوله المتحدث الرسمي باسم "الإخوان"، جهاد الحداد " إنهم الجيش يتحدثون إلينا بالفعل- ليس على مستوى القيادات الدنيا فحسب، وإنما على مستوى القيادات العليا".
وأضاف: "يقولون لنا إن مرسي بخير، وقد اتصلوا بي بخصوص حاجة والدي- مستشار مرسي المحتجز عصام الحداد- إلى الدواء، وهم يطلعوننا على ما يجري".
ويحاول "الإخوان المسلمون" استغلال أي توترات داخل الجيش من خلال التمييز علانية بين الجنرالات الذين قاموا بعزل مرسي، من الرئاسة، ففي بيان لهم نسب "الإخوان" الانقلاب إلى "بعض أعضاء المجلس العسكري" لكنهم قالوا: " أننا نثق تمامًا في "جيشنا العظيم" الذي يفدينا ونفديه ويحبنا ونحبه، والذي لا يمكن أن يكون قد شارك في تلك المؤامرة".

والسبب الثاني الذي أوضحه تراجر في مواصلة الإخوان الصدام مع الجيش، أن "الجماعة" تعلم أنها تستطيع الاعتماد على فيالق أعضائها، الذين يبلغ عددهم نحو 250،000 شخص وفقًا للتقديرات المتواضعة، لمواصلة المخاطرة بحياتهم احتجاجًا على عزل مرسي، قائلًا: "إن أيديولوجية "الإخوان" تعظم الشهادة سعيًا لأجندتهم الإسلامية، وشعارهم المحفور في صدر كل عضو من أعضاء "الجماعة" من خلال عملية التلقين الدينية التي تستمر بين خمس إلى ثماني سنوات، وتشمل عبارات من قبيل "الجهاد هو سبيلنا" و"الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".

والواقع أن هذه من نقاط فخر الجماعة".. ويقول الحداد لتراجر: "إنهم ليسوا كهؤلاء المتواجدين في "التحرير".. عندما سمع الناس في رابعة العدوية، صوت الرصاص، أقبلوا عليه، ولم يهربوا منه"، ولهذا يؤمن قادة "الجماعة" أنهم يستطيعون الاستمرار في استدعاء جنودهم المترجلين طالما رأوا أن ذلك ملائمًا.

لكن حقيقة أن "الإخوان" ينوون مواصلة القتال من أجل إعادة مرسي لا تعني بالضرورة أنهم سيفوزون -حسبما أكد تراجر- ففي النهاية، كلما طالت مدة سعي "الجماعة" لمقاومة تدخل الجيش، زادت احتمالية استئصال رءوس "الإخوان" بالكامل، فكبير خبراء "الجماعة" الاستراتيجيين، خيرت الشاطر، وكبير مسئوليها السياسيين، سعد الكتاني، كانا من بين من تم اعتقالهم بالفعل، كما أن صدور مذكرات اعتقال بحق آخرين يشير إلى أن هناك عمليات اعتقال جماعية يجري التخطيط لها.

ويقول تراجر :"إنه في ضوء تركيز "الإخوان" واعتمادهم على ترتيب هرمي منظم بإحكام، فإن استئصال رءوس الجماعة قد يجعلها تتصرف بشكل ضال ومضطرب - وربما أكثر عنفًا- مما يعزز قمع الجيش ضدها، واستئصال رءوس الإخوان المسلمين يعني استبعاد أولئك القادة الذين يمكنهم عكس الإستراتيجية الحالية لـ "الإخوان" وتقرير أن الجيش هو، مرة أخرى، سقف الجماعة".

وسواء حدثت انشقاقات في صفوف قيادة الجيش أم لا، فمن غير المرجح أن تعدل القيادة من قرارها الأساسي، شأنها في ذلك شأن "الجماعة"، لأن إعادة رئيس عزله القادة من السلطة سوف يمثل انتحارًا للجنرالات، ولذا فاستمرار الاضطرابات المدنية هو أمرًا حتميًا من الناحية العملية، فلكل من الجيش وجماعة "الإخوان" مصالح متنافرة، وهم على استعداد للقتال من أجلها إلى أجل غير مسمى، وسوف ينتهي الصراع عندما ينهار أحدهما.
الجريدة الرسمية