رئيس التحرير
عصام كامل

ساحر اسمه عامر

عامر عبدالله شاب إماراتى يعمل معلقا رياضيا، استطاع خلال تسعين دقيقة أن ينفذ إلى قلوب العامة فى مصر، وتحول إلى تريند وحالة من حالات الحب الجارف.

 ماذا فعل عامر؟ أيقن أنه أمام ميكروفون يتسع لملايين المصريين أثناء مباراة الأهلى مع شقيقه الهلال السعودى، وأخذ نفسًا عميقًا وبدأ فى خطاب عاطفى تاريخى حضارى عن أم الدنيا.

 

والنتيجة.. وسائل التواصل الاجتماعى بملايينها فى مصر بدأت فى التو واللحظة تردد ما قاله المعلق الذكى عن العلاقات المصرية الإماراتية بطريقة شعبوية شائقة تتناسب مع جمهور كرة القدم.

 تحول عامر عبد الله إلى جسر تواصل بين الشعبين فى لحظات، وقدم نموذجا لحالة من حالات الترابط العربى ربما فشل فى تحقيقها كبار المثقفين.

 

بساطة عامر عبدالله وروح الفكاهة وحيويته عند نقل الوصف التفصيلى تسربت إلى قلوب ونفوس المصريين، وقبل أن تشيد به النخبة كان قد حصل على شهادة حب جماهيرية كبرى. 

ولكن ما الذى يجعل معلقًا رياضيًّا على مباراة مثل آلاف المباريات يحظى بهذا التوافق المصرى الإماراتى؟ أقول وأنا لست محللًا نفسيًّا ولا عالمًا بسيكولوجيا الجماهير إن الأمر جد بسيط.

 

ثمرة التواصل

 

«عامر» ملأ فراغًا صنعته السياسة رغم التوافق المصرى الإماراتى الرسمى.. هذا الفراغ فراغ شعبى.. فراغ فى التواصل بين الشعوب العربية فى زمن المصالح المتعارضة.

 عرف «عامر» من أين تؤتى ثمرة التواصل فى عصر صنعت فيه مواقع التواصل الاجتماعى حالة من الاحتراب الشعبى الشاذ فى مناسبات عديدة، فوجدنا فيها وسيلة للعراك أكثر من كونها وسائل للتواصل.

 

فى زمن المصير الواحد كانت الأمة العربية تحظى باهتمام مشترك مهما غلبت السياسة ومهما تباينت المصالح والمواقف الرسمية، وكان العرب يجتمعون حول «صوت العرب».

 

كانت «صوت العرب» إذاعة كل العرب، وكان صوت أم كلثوم هو الخيط الواصل بين قلوب العامة والخاصة، وكان مذيعو تلك الإذاعة نجومًا فى سماء الأمة العربية.

 وكانت الإذاعة تشغل كل مساحات الفراغ بين شعوب المنطقة وتمثل جسرًا مهما فى طريق النضال العربى من أجل قضية التحرر الوطنى من المحتل أيًّا كان لونه أو شكله أو لغته.

 

وبعد القطيعة العربية بُنِيت جسور من الكراهية المصطنعة بين شعوب العالم العربى، وتمددت تلك الحالة بعد أن شابتها مواقف رسمية ألقت بظلالها على الموقف الشعبى.

«عامر عبدالله» المعلق الرياضى الإماراتى تمكن وحده وبإشارات بليغة من أن يفك تلك الحالة ويفعل بقلوب الناس ما فشل الساسة فى فعله، وأصبح أيقونة بين العامة فى مصر.

 

إشارات عامر للدور المصرى فى تاريخ العرب يدفع الجيل الجديد إلى إعادة ثقة فقدها بسبب حالة الدونية التى تسربت إلى الشارع المصرى بسبب رداءة ما تقدمه الميديا المصرية من نماذج القدوة.

 

انتشار نموذج البلطجى، وظهور حمو بيكا وشاكوش وغيرهما من نماذج الفن المصرى، والتى حلَّت محل كبار القوم فى الغناء والأدب والتمثيل والصحافة والثقافة، كلها مفردات صبغت الحياة ببلادنا بالدونية.

 

إهانة المعلم والمدرسة والتعليم وتقديم نماذج هشة ومشوهة وطرحها على الساحة أصاب المواطن المصرى بحالة عدم ثقة فى تاريخه ودوره وقيمته الحقيقية. حالة الفوضى التى تسود الشارع جعلت المواطن المصرى يقارن بيننا وبين بلاد خطت خطوات سريعة فى النظام والعمارة والتعليم فأصيب بخيبة أمل فيما يمكن أن نحدثه من تاريخ وحضارة.. إلخ.

 

 

كلمات المعلق الرياضى الإماراتى عن مصر ابتنت جسرًا جديدًا بين بلدين لديهما من أواصر العمل المشترك والتعاون والنضال والمصير الواحد ما هو أهم بكثير من مقالات الكُتاب والمثقفين وأهم بكثير من الحوار الرسمى بين البدين.

ما قاله وما فعله عامر عبد الله حوار شعبى خالص نحتاج إلى تعدده وتواصله والبناء عليه، خاصة أننا نعيش الآن واحدة من أصعب المراحل التاريخية التى تهدد وجودنا كعرب.

الجريدة الرسمية