رئيس التحرير
عصام كامل

قد يقتلون في سبيلها.. سر إصرار السلفية على فرض «النهي عن المنكر» بالقوة

أعلام النهي عن المنكر
أعلام النهي عن المنكر بالقوة

منذ ظهور السلفية على الساحة السياسية، ومحاولة فرض نمطها على الواقع المعاش، والجميع يحاول فك ألغاز الفكرة ولماذا لا تهتم بأنصارها فقط دون غيرهم، وتحاول فرض أجندة أخلاقية على المجتمع، ولا سيما ما يتعلق بالأمر عن المعروف والنهي عن المنكر، وهو الهوس الذي وصل ببعض التيارات السلفية إلى جلد الناس في الشوارع، والقتل في أحيان آخرى، ورفع السلاح على الدول والحكومات، عقابا على ما يراه السلف غير جائز أخلاقيا، ولا يناسب المجتمع المسلم.  

 

فرض كفاية عن السلف

يؤمن السلف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، وهو في الفقه الإسلامي أحد الأحكام الشرعية، ويعرف في علم أصول الفقه، بكل أمر مهم يقصد في الشرع تحصيله على جهة الإلزام، وفرض الكفاية في علم فروع الفقه يعرف أيضا بأنه المفروض شرعا من غير تعيين فاعله ـ أي يحق لأي فرد مواجهة المنكر ـ لكن إذا تركه الجميع أثموا. 

 

ويبرر السلف على اختلاف مشاربهم تشددهم في هذه القضية بما سطره الأولين والسابقين في فضل النهي عن المنكر، وينقلون عن ‏ابن كثير ما دونه عن أحداث عام  478 هـ في كتابه الأشهر البداية والنهاية، عندما كثرت الأمراض بالحمى والطاعون في العراق والحجاز والشام، وماتت الوحوش في البراري، ثم تلاها موت البهائم بعد أن هاجت ريح سوداء وتساقطت الأشجار ووقعت الصواعق، بحسب ابن كثير. 

 

يوضح إبن كثير أن الأزمة انتهت عندما لجأ الخليفة المقتدي بأمر الله أنذاك، بتجديد فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودمر آلات المعازف بالملاهي، وأوقف كل مظاهر الخروج عن آداب الدين الإسلامي وتعاليمه، ‏وهنا انجلى الطاعون، وذهبت الأمراض، لتصبح من يومها أحد المفارقات الهامة التي يستظل بها العقل السلفي لفرض النهي عن المنكر ــ من وجهة نظر سلفية ــ  على المجتمعات العربية والإسلامية.

 

ترسانة التراث في يد الفكر السلفي

يستند السلف في رؤيتهم على حتمية تغيير المنكر بالقوة إن لزم الأمر، على ترسانة من الثراث، ويتداولون أقوال بعض الصحابة مثل حذيفة بن اليمان، عندما سأل عن ميت الأحياء، وقال فيه‏:‏ “الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه‏"، وكذلك ‏قول الصحابي بلال إبن سعد:‏ “إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها، فإذا أعلنت ولم تغير أضرت بالعامة”.

 

وتتراوح ردود أفعال السلفيين لفرض النهي عن المنكر حسب المجتمع وقوة الدولة وحالة المدنية والحداثة فيها، ومستوى تغلغل التيارات الدينية في المجتمع، فالسلف الأفغان الذين غيروا بأيديهم، واستولوا على السلطة كلها بقوة السلاح من باب النهي عن المنكر وتطبيق الشريعة، غير سلف شمال إفريقيا والمغرب العربي وبلدان الخليج، وإن كان يجمع الكل ردود أفعال لاتناسب الزمن الحالي، ولا حدود وتشريعات الدولة المدنية، وهي نقطة الصدام دائما مع العقلية السلفية في المجتمعات العربية والإسلامية. 

 

عن السلفية وتاريخها 

السلفية هي اسم لمنهجٍ يدعو إلى فهم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة والأخذ بنهج وعمل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين وتابعي التابعين، باعتباره يمثل نهج الإسلام، والتمسك بأخذ الأحكام من كتاب الله، ومما صح من أحاديث النبي.

 

تتمسك السلفية بالنقل الكامل لكل ما كان يدور في عصر الصحابة، ولاتخرج عنه قيد أنملة، وتقوم في جوهرها على التزام منهج القدامى في فهم النصوص الشرعية، وتعتبرهم وحدهم المرجع الجامع، الذي يجتمع عليه السلفيون، وبهذا يلتزمون أيضا بكل ما تعنيه السلفية في اللغة، من حيث الرجوع للسابقين زمنيًا في كل شيء. 

وبرزت السلفية بهذا المصطلح على يد الإمام ابن تيمية في القرن الثامن الهجري، ثم جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقام بإحياء الفكرة من جديد بمنطقة نجد في القرن الثاني عشر الهجري، وانتشرت منها إلى المنطقة العربية والإسلامية، ومن أهم أعلامهما، عبد العزيز بن باز، ومحمد ناصر الدين الألباني، ومحمد بن صالح بن عثيمين، وصالح الفوزان. 

الجريدة الرسمية