رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا يكرهون الدراجات؟!

قبل سنوات كانت زيارتي الأولى لأوروبا، وهناك أدهشني استخدام نسبة مؤثرة من المواطنين للدراجات الهوائية واعتمادهم عليها كوسيلة أساسية للتنقل، وقتها تمنيت أن تخطو مصر صوب نشر ثقافة ركوب الدراجات! وكانت بداية تحقيق الحلم مع  لقطات مشجعة للرئيس عبدالفتاح السيسي مصطحبًا الشباب في جولات بالدراجات مع توجيهات رسمية لتشجيع المواطنين على ممارسة الرياضة.


لا أخفي تأثري وإلهامي الشخصي بهذا الاتجاه الذي دفعني لشراء دراجة والتنقل بها داخل المدينة كوسيلة للرياضة والابتعاد عن التكدس المروري لكنني بعد شهور من الممارسة العملية والاقتراب مما يمكن تسميته بعالم أو مجتمع الدراجين في مصر لمست بأن هناك الكثير من الآمال المعقودة لكنها لا تزال مقترنة بمخاوف مشروعة !


كانت مبادرة دراجتك صحتك خطوة مهمة بعد أن أطلقتها وزارة الشباب والرياضة في العام قبل الماضي ليتم طرح آلاف الدراجات بأسعار مدعومة للجمهور، ولكنها ليست الخطوة الوحيدة الضرورية لزيادة أعداد الدراجين في مصر.


يأتي في مقدمة الاحتياجات لممارسة هذه الرياضة تهيئة البنية التحتية عبر وضع مسارات آمنة للدراجات خاصة على الطرق الرئيسية، فقد أصبح لدينا الآن منظومة متطورة من الطرق لكنها تحتاج بشدة إلى وضع هذه المسارات لتجنب الحوادث، وأيضًا نشر ثقافة ركوب الدراجات بين المواطنين ليتقبل الجميع مشهد ركوب الفتيات للدراجات، وعدم الإساءة إليهن أو التحرش بهن، مرورًا بتفهم قائدو السيارات والمركبات المختلفة لمدى هشاشة وضع راكب الدراجة الهوائية مقارنة بأي نوع آخر من المركبات حيث أن أبسط تصادم أو تلامس أو تزاحم على أسبقية المرور قد يؤدي لفقدان راكب الدراجة لحياته.

رفض وعقاب


أيضا على وزارة النقل العمل على تهيئة البنية التحتية للطرق بوضع هذه المسارات الضرورية المخصصة للدراجات الهوائية لتقليل حوادث السير قبل إبداء حرصها الشديد على تحصيل رسوم مرور على الدراجات، ففي غياب خدمة حقيقية مقدمة للدراجين، فإن تحصيل كارته منهم يمثل كارثة لأنه يسيئ لجهود الدولة المستمرة لتشجيع المواطنين على ممارسة الرياضة، وهو إجراء يجعلني اتساءل: لماذا يكره البعض الدراجات الهوائية؟

فيما لا أجد إجابة مناسبة عن هذا السؤال خاصة مع غياب أي واقعة متداولة عن جريمة تمت باستخدام هذه الوسيلة في مقابل ما نسمعه عن جرائم نفذت باستخدام الدراجات البخارية أو التوك توك.. ولكن يستمر هذا السؤال في الظهور أمامي كلما صادفني تعنت يواجه الدراجين خاصة من القائمين أو المسؤولين عن الأمن الإداري في بعض الأماكن ممن لديهم نظرة ريبة أمنية تجاه راكب الدراجة، وهو الأمر الذي صادفني شخصيًا فقبل أيام بعد أن منعني الأمن الإداري في مدينة الرحاب من دخول المدينة بصحبة عدد من الدراجين بحجة أن الدراجات منظرها وحش على حد تعبيرهم..

وعندما أوضحنا إننا لن نقوم بقيادة الدراجات داخل المدينة إنما فقط سنحصل على قهوة أو إفطار في أحد المحلات بالمدينة قبل أن نغادر لكنهم طلبوا منا الحصول على تصريح من مجلس المدينة، وبمجرد محاولتنا الحصول على هذا التصريح أخبرونا بأن المجلس في أجازة وطلبوا منا المغادرة.. هذا الموقف لم يكن ضمن مواقف وطرائف أو الكاميرا الخفية، لكنه يعكس أسلوب بعض الموظفين في التعامل مع الدراجين في مصر حيث المنع دون سبب، والرفض دون مبرر، والعقاب دون جريمة، في مخالفة واضحة لتوجهات الدولة بتشجيع المواطنين على ممارسة الرياضة!


قبل عامين أصدر معهد سياسات النقل والتنمية بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة جاء فيها أن التحول العالمي نحو زيادة ركوب الدراجات الهوائية والدراجات الكهربائية لن يؤدي فحسب إلى إضافة قيمة اجتماعية وإنما أيضًا اقتصادية حيث سيؤدي لتوفير أكثر من 24 تريليون دولار بحلول 2050، وبدورها سبق وأوضحت المفوضية الأوروبية إمكانية إنشاء مئات الآلاف من الوظائف الجديدة في المستقبل في حال مضاعفة نصيب الدراجات كوسيلة للتنقل في أوروبا.

يقول الشاعر جرير "نظرت إلى الحياة فلم أجدها.. سوى حُلمٍ يمرُ ولا يعودُ"، لكنني أثق في قدرتنا على إجبار الأحلام على البقاء والتحقق وعدم المغادرة، ولازلت أثق بكوننا قادرين على تشجيع المزيد من المواطنين على ركوب الدراجات، ومساعدتهم في تحسين صحتهم، وإضافة قيمة اقتصادية واجتماعية للدولة ولكن بشرط أن يتوقف البعض عن كراهيتهم غير المبررة للدراجات!

الجريدة الرسمية