رئيس التحرير
عصام كامل

الاقتصاد.. السلاح السري في حرب أكتوبر 1973

لم تكن حرب أكتوبر المجيدة 1973 مجرد حرب انتهت بالنصر الساحق لمصر والهزيمة الساحقة للعدو، وإنما كان لها جوانبها الاقتصادية التي لا تقل عن الجوانب العسكرية، بل كانت هي أساس الجانب العسكري وهي السلاح الرئيسي في الحرب لتنجح هذه الحرب وتقهر العدو، وقبل العدو الظروف الطاحنة التي مرت بمصر من بعد هزيمة 1967، فعندما نسترجع الظروف الاقتصادية قبل النكسة نجد أن الاقتصاد المصرى -في وقت الزعيم جمال عبد الناصر- كان يتجه بخطى واثقة إلى الأمام، وحقق نموا حقيقيا زاد على 6% بحلول عام 1965، وارتفع معدل الاستثمار إلى 17.8% من الناتج المحلى بدلا من 12.5 فى نهاية الخمسينيات، وزاد نصيب الصناعة فى الصادرات إلى 25 % بدلا من 18%، وزادت العمالة الصناعية خلال هذه السنوات بأكثر من ضعف الزيادة فى إجمالى القوى العاملة..

 

 

وهى زيادة لم يعرفها الاقتصاد المصرى منذ محمد على.. غير أنه مع نكسة 1967 التي خطط لها الغرب لوقف ذلك الزحف والتقدم المصري، وللأسف لم تنبه مصر لما يراد لها ووقعت في الشرك الذي لولاه لكانت التجربة المصرية من أنجح التجارب العالمية، وكانت مصر الآن في مكانة اليابان أو ألمانيا على أقل تقدير، ففرضت النكسة على مصر منحنى وطريقا غير الذى كانت تخطط لأن تسلكه.

الاستعداد للحرب

 

فمع النكسة فقدت مصر آبار البترول فى سيناء، وخربت معامل تكرير البترول فى السويس، وأغلقت قناة السويس التى كانت تدر لمصر فى المتوسط سنويا 164 مليون دولار فى السنوات الـ7 قبل الحرب، وإضافة إلى ذلك انخفاض كبير فى إيرادات السياحة التى كانت تدر نحو 100 مليون دولار، فضلا عن التكلفة الاقتصادية الضخمة التى فرضها تهجير نحو مليون شخص من قناة السويس. 

 

كان أمام الزعيم جمال عبدالناصر، أما أن يستسلم مضحيا بالإنفاق العسكري والجيش في سبيل تنمية ما بقي من مصر مع السلام المذل مع إسرائيل لتتركه يعيش في الجزء الباقي من مصر بعد سلبها سيناء، أو أن يتجه إلى الإنفاق على الجيش والتضحية بالاستمرار في التنمية الاقتصادية مع سياسة التقشف لإمداد الجيش وبنائه لمواجهة إسرائيل، ومع شخصية الزعيم عبد الناصر اختار الطريق الثاني، وواجهت مصر فى أعقاب 67 ظروفا سياسية واقتصادية بالغة القسوة والخطورة، وحتى المعونات والمنح العربية المقدرة بـ286 مليون دولار سنويا، كانت تضيع فى خدمة الديون على مصر التى حان موعد استحقاقها، والبالغة أقساطها المستحقة الدفع سنويا نحو 240 مليون دولار، وكان من الطبيعى أن ينخفض معدل النمو فى الحرب إلى 3 %، وتتدهور المرافق العامة والبنية الأساسية، ويتراجع مستوى المعيشة وتنخفض الأجور.

 

ويأتي الرئيس السادات في تلك الظروف الصعبة اقتصاديا ليستمر في نهج الإستعداد للحرب مهما كانت التضحيات، وأنه لا خيار أمام مصر إن أرادت أن تعيش كريمة سوى الحرب والنصر، ومع بدء العد التنازلى لمعركة النصر، بدأت الحكومة برئاسة الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، فى تطبيق خطة اقتصادية تهدف إلى ترشيد الإنفاق الحكومى، لتوجيه الناتج لصالح القوات المسلحة، حيث تم تشكيل اللجنة العليا للمعركة، لتحديد الإجراءات المطلوب تطبيقها فى جميع المجالات استعدادا للحرب، والتى أعلنت فى 19 يناير من العام نفسه تخصيص مليار جنيه سنويا للقوات المسلحة.

 

وعلى الرغم من حالة الحرب التى كانت تعيشها مصر على مدى 7 سنوات، واحتلال جزء واسع من أراضيها، فإن الاقتصاد المصرى فى مطلع عام 1973 كان يشهد حالة من الاستقرار، وهو ما يظهر فى البيانات التى أعلنها أحمد زندو، محافظ البنك المركزى، ونشرت فى جريدة «الأخبار» بتاريخ 14 يناير 1973، والتى أكد فيها سداد مصر جميع التزاماتها الدولية بموعدها. كذلك ارتفع إجمالى ودائع البنوك إلى 400 مليون جنيه، بينها 27 مليون جنيه شهادات استثمار عائلى، كما لم تتجاوز زيادة أسعار السلع الاستهلاكية 2% بالنسبة للجملة و4% للقطاعى، وبتاريخ 16 يناير أعلنت وزارة التخطيط وضع خطة تستهدف زيادة الدخل القومى 6%، ليصل إلى 6206 ملايين جنيه، مع الاستثمار فى عدد من المشروعات التنموية، على رأسها تخصيص 100 مليون جنيه للتعاقد على تنفيذ مشروع مترو الأنفاق لمدة تصل لـ10 سنوات، واعتماد 50 مليون جنيه لمشروعات القطاع الخاص.

نصر أكتوبر وسندات الجهاد

 

 وبتاريخ 11 فبراير 1973، أعلن الدكتور عزيز صدقى، رئيس الوزراء، أمام مجلس الشعب، ما أسماه بـ«ميزانية المعركة»، وهى إجراءات التعبئة الاقتصادية التى سيتم تطبيقها فى حال نشوب الحرب، وتتمثل فى تحويل الموازنة العامة إلى موازنة المعركة لتوفير جميع طلبات القوات المسلحة خلال الحرب. ثم جاء الانتصار يوم السادس من أكتوبر 1973، عندها طرحت الحكومة المصرية «سندات الجهاد»، وهى شهادات استثمارية الهدف منها دعم الدولة والقوات المسلحة فيما يخص الحرب والمتطلبات الناتجة عنها، وتم طرحها للمواطنين، تحت شعار «شارك فى ملحمة النضال الوطنى»، فى البنك المركزى وفروعه وجميع البنوك التجارية وفروعها، وتضمنت الفئات المالية «50 قرشا، جنيها واحدا، 5 جنيهات، 10 جنيهات، 100 جنيه»، بفائدة 4.5% سنويا ومعافاة من الضرائب، وبلغت حصيلة تلك السندات بعد شهر واحد فقط من بدء الحرب 7 ملايين جنيه، وهو رقم كبير جدا بالنسبة لسعر السندات وتحقق في وقت قياسي، وهو الأمر ذاته الذي تحقق في 2014  عندما طرحت سندات قناة السويس الجديدة فحققت المستهدف في وقت قياسي؛ مما يدل على معدن الشعب المصري وقت الشدة. 

 

اللافت للنظر أنه على الرغم من حالة الحرب المستمرة على مدى 7 سنوات، شهد عام 1973 عددا من المشروعات الصناعية الطموحة، على رأسها بدء إنتاج السيارة «نصر 125» بمصانع النصر للسيارات، والإعلان عن مشروعات تنموية مثل مترو الأنفاق، وتنفيذ خطوط أنابيب بترولية لنقل البترول من السويس للإسكندرية، وإنشاء 8 محطات كهرباء بتكلفة 10 ملايين جنيه، للحد من مشكلات انقطاع الكهرباء.

 

 وطبعا بالانتصار تحولت الخسائر الاقتصادية إلى مكاسب مرة أخرى ومن أبرز المكاسب الاقتصادية لحرب أكتوبر عائدات البترول الموجودة فى البحر الأحمر وسيناء، وحصول مصر على إيراداتها مرة أخرى منذ الانسحاب الإسرائيلى من سيناء، كما زادت عائدات السياحة نتيجة لانتهاء الحرب بالإضافة إلى الاستقرار السياسى واهتمام الدولة بالسياحة وخصوصًا فى جنوب سيناء، بالإضافة إلى استرداد الموانى البحرية وانتعاش حركة التجارة الداخلية والخارجية، إلى جانب انتعاش حركة الصيد نتيجة استرداد السواحل المصرية وغير ذلك. كما تم إعادة افتتاح قناة السويس عام 1975 للملاحة الدولية وإعادة عائدات إيرادات قناة السويس للدولة المصرية إذ سجلت عائدات قناة السويس 5 مليارات و728 مليون دولار فى عام 2018 كما سجل عام 2017 عبور 17 ألفًا و550 سفينة كل هذا ساهم فى تطوير قناة السويس وفتح الأبواب أمام مشروعات استثمارية جديدة فى القناة.

الجريدة الرسمية