رئيس التحرير
عصام كامل

البحث عن ظل شجرة في شوارع القاهرة | صور

شوارع القاهرة
شوارع القاهرة

خلال الأيام الأخيرة كان المصريون على موعد مع معركة غير متكافئة، بين رؤوسهم المكشوفة وحرارة الشمس الحارقة التي أغرقت الشوارع بقيظها، بعد أن كانت مصر ضحية لظاهرة مناخية ساخنة أذاقت البشر والحجر أسبوعًا من النيران المصبوبة التي كانت مواجهتها مغامرة غير محسوبة.

سار المصريون في الشوارع يبحثون عن مساحة ظل يلتقطون أنفاسهم فيها من حرارة الشمس، ولكن جاءت أغلب المحاولات فاشلة بعد أن تعرت الشوارع من الأشجار والتي تعتبر المظلة الطبيعية من حرارة الشمس، ومصدر الحماية للبيئة وللإنسان بالتبعية.

قضية التشجير في شوارعنا ظهرت بشكل واضح خلال الأسابيع الماضية، خاصة وأن الأشجار أصبحت مرتبطة بشكل كبير بتخفيف آثار التغيرات المناخية الحادة التي نشهدها ولمسنا تأثيرها بشكل ملحوظ خلال الشهور الأخيرة.

مواطنون بلا حماية في مواجهة لهيب الشمس

الدكتور إسماعيل عبد الجليل رئيس مركز بحوث الصحراء الأسبق، أكد أن ندرة الأشجار في الشوارع يساهم في تفاقم آثار التغيرات المناخية المرتبطة أيضا بظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة.

وانتقد عبد الجليل توجه الحكومة خلال السنوات الأخيرة لتشجير الشوارع بالنخيل باعتباره غير مناسب للمدن حيث يفتقد لأبسط شروط التشجير وهو تكون تاج خيمي للشجرة يمنح الظل في الشوارع لتخفيف درجات الحرارة وبالتالي فإن تجربة السير في الشوارع أصبحت قاسية جدا في ظل الموجة الحارة الحالية.

نخيل حديث الزراعة تعرض للجفاف بسبب الإهمال

وأضاف أن النخيل يستهلك كميات كبيرة من المياه ويحتاج إلى رعاية خاصة وبسبب عدم توافر ذلك أغلب الوقت نشهد النخيل المنزرع حديثا في الشوارع تدهورت حالته أو مات.

 

أستاذ المناخ بمركز البحوث الزراعية الدكتور شاكر أبو المعاطي أكد على ضرورة الاهتمام بالغطاء النباتي بشكل عام في مصر وتنميته سواء بالتشجير أو بغيرة خاصة وأننا في ظل التغيرات المناخية الحادة التي نشهدها نحتاج إلى الأشجار لتخفيف حدة الأتربة والملوثات التي تملأ المدن إلى جانب زيادة انبعاثات  ثاني أكسيد الكربون وأكاسيد السيارات والكلور كربون الصادر من أجهزة التبريد، وفي مواجهة كل ذلك تعمل النباتات كـ"فلتر" للهواء، إلى جانب توفيرها الظل وهو ما يقلل حالات الإصابة بأمراض الربو والصدر.

اختفت الأشجار من الشارع إلا من قصيص صبار صغير!!

 

وتجدر الإشارة هنا إلى ما  كشفه باحثون في دراسة منشورة في مجلة "ساينس" المتخصصة في النشر العلمي، أنه يمكن من خلال زراعة 2.2 مليار فدان تدارك الإنبعاثات المتزايدة من ثاني أكسيد الكربون والغازات التي تتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية الحادة.

صورة علوية لأحد أحياء القاهرة الكبري وتختفي منه الأشجار

ولفتت الدراسة إلى أن زراعة هذه المساحة التي تعادل مساحة الولايات المتحدة الأمريكية تقريبا بالأشجار يمكنها امتصاص نحو 205 مليار طن من الكربون وهي ثلثي أنبعاثات الكربون  من الغلاف الجوي والتي تسبب فيها الإنسان

الدكتور عمرو ربيع رئيس الإدارة المركزية للتشجير والبيئة بوزارة الزراعة سابقًا أكد أن التشجير قضية محورية ولها أهمية كبيرة من الناحية البيئية والاجتماعية والاقتصادية ويساهم في حل مشكلات كبيرة بمقاومة الآثار الضارة للتغيرات المناخية بشكل مباشر.

 ولفت إلي أن احتياج الإنسان من المساحات الخضراء يبلغ 15% من مساحة المدن بشكل عام وفقًا للمعدل العالمي، ورغم عدم تحقق ذلك في شوارع المدن المصرية، لكن الدولة المصرية كانت واعية جدًّا على تحقيق هذا الشرط وأكثر في مدن الجيل الرابع التي تشيدها الآن سواء كانت العاصمة الإدارية أو غيرها من المدن الحديثة التي تم وضع كود تشجير ومساحات خضراء خاص بها، وهو ما سيحدث نقلة حضارية كبرى نحن في أمس الحاجة إليها.

مواطنون يحتمون بظل الأشجار خلال انتظارهم للمواصلات

ولفت إلى أن تشجير الطرق يزيد العمر الافتراضي للأسفلت وهو مردود اقتصادي هام إلى جانب مساهمته في تعديل  المناخ بخفض درجات الحرارة وزيادة كميات الأكسجين المنطلق من الأشجار إلى الجو وتقليل انبعاثات ثاني اكسيد الكربون ولدرجة أن التشجير قد يساهم في خفض المستهلك من الطاقة الكهربائية في حالة التشجير بالكثافة والتنظيم المطلوب في الشوارع لأن في تلك الحالة يساعد في تلطيف الأجواء في ظل الموجات الحارة.

مساحات شاسعة داخل المدن الجديدة بلا تشجير

وشدد على أنه من المهم الإشارة إلى أن التشجير لا نستخدم فيه مياه الشرب أو مياه النيل ولكن تروي الأشجار بالمياه العادمة الناتجة من الصرف الزراعي والصحي المعالج بشكل أولى، وهناك 32 غابة شجرية على مساحة 5 آلاف فدان تروى بالمياه العادمة في مصر، وهي أحد أوجه كفاءة استخدام المياه، كما لا تنافس المساحات الشجرية أي محاصيل زراعية أخرى لأنها تزرع في مساحات لا تصلح للزراعة.

 

وللعلم فإن التشجير لا يشترط أن يكون في صور زراعة الأشجار على الطرق فقط، يل يمكن تحقيق الهدف منه أيضا بزراعة الأشجار في صورة مجموعات شجرية في الغابات أو مداخل المدن والقرى.

وأكد أن القيمة الجمالية للتشجير ليست من باب الترف نهائيًا بل هي قيمة اقتصادية ومعنوية أيضا ومن الناحية الاقتصادية فإن زيادة المساحات الخضراء في تجمع عقاري ما يرفع أسعاره عن أي تجمع آخر تنخفض فيه نسبة المساحات الخضراء لذلك يحرص المطورون العقاريون على الترويج لسلعتهم من خلال تأكيد وجود مساحات خضراء كبيرة في مشروعاتهم قد تصل إلى 70% من مساحة المشروع.

الدكتور عمرو ربيع

وعن زراعة النخيل في الطرق داخل المدن أشار إلى أن النخيل بشكل عام يقاوم ظروفنا المناخية ويتحمل الجفاف والحرارة ولكن في بلادنا الحارة نحتاج إلى الأشجار التي توفر الظل مثل البونزيانا والكاسيا وهي تعطي ظل مساحته من 5: 10 أمتار وتعطي أزهارًا جميلة تفي بالغرض الجمالي والبيئي، والتشجير المكثف والمنظم مهم أيضا في الريف لأنه يوفر 25% من فاقد الإنتاج الزراعي الناتج عن تأثير الرياح والظواهر المناخية على الحاصلات الزراعية في الحقل. 

وطالب ربيع بضرورة مشاركة المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في دعم عملية التشجير المنظم داخل المدن بهدف توفير الظل والمساهمة في تخفيف آثار التغيرات المناخية، ويجب أن يكون التشجير منظم بإحسان اختيار الأنواع المناسبة لكل مكان فلكل نطاق بيئي  الأشجار الملائمة له، فيختلف الأمر من الصعيد إلى الدلتا والمحافظات الساحلية، وداخل المدن والتركيز على معيار نوعية المياه المتوفرة للتشجير في كل منطقة وكمياتها، وهي معايير يجب مراعاتها بدقة.

ودعا إلى ضرورة التوسع في زراعة أحزمة خضراء واقية  حول المدن الجديدة المقامة في الصحراء، لافتًا إلى إمكانية التوسع في مساحات الغابات الشجرية إلى 19 ألف فدان، تزرع بالأشجار الخشبية عالية القيمة الاقتصادية كالكايا والسرسوع وهي أشجار خشبية تدخل في صناعة الأثاث.

أحد شوارع الجيزة بعد التجديد ويظهر بلا أشجار

واقترح أن تكون مسئولية التشجير في مصر محددة في جهة تنسيقية تمتلك الخبرات العلمية والعملية، ووزارة الزراعة هي الأجدر على أداء هذا الدور حيث يخضع التشجير حاليا داخل المدن وعلى الطرق لـ6 جهات وهي الزراعة والنقل والإسكان والتنمية المحلية والري، والبيئة.

 

ومن جانبه انتقد الدكتور أحمد عبد الدايم رئيس بحوث الأشجار الخشبية والغابات بمعهد بحوث البساتين، التوسع في استخدام النخيل في عمليات تشجير الطرق داخل المدن مشيرًا إلى أن المعهد رفض ذلك التوجه منذ تولي الدكتور عبد الرحيم شحاته منصب محافظ القاهرة، كون النخيل غير مناسب للمدن ولا يحقق الغرض الأساسي بتوفير الظل وما لذلك من آثار بيئية واقتصادية كبيرة.

طرق سريعة بلا أشجار لزيادة عمرها الافتراضي

وأشار إلى مواصفات الأشجار التي يجب زراعتها داخل المدن أن تكون ذات تاج مفتوح وعال لتسمح بتيارات الهواء الساخنة في الصعود وتهبط باردة، وتكون متساقطة الأوراق لتصل الشمس إلى الأرض في الشتاء، وأن تكون مناسبة لاتساع الشارع أي لا نزرع شجرة قصيرة على طريق سريع.

أما في مناطق الضواحي بين المدن الجديدة يجب أن يكون التشجير لحماية الطريق وليس الناس ويشترط فيها أن تكون شجرة كبيرة لها أغصان قوية لا تنكسر أو تتفسخ تعطي ظلا فترة طويلة من النهار على الأسفلت وبينها وبين بداية الأسفلت مسافة آمنة في حدود 3 أمتار وجذورها أفقية لا رأسية حتى لا تتسبب في تشقق الأسفلت.

الجريدة الرسمية