رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

سد النهضة ومجلس الأمن وبحر "القشطة"!

إذا كان الكثير من المصريين ينتظرون حل قضية سد النهضة من خلال طرحها على مجلس الأمن الدولي فهؤلاء واهمون، فهذا المجلس لم ينجح تقريبا في حل أي قضية سياسية عرضت عليه منذ إنشاؤه، فتجد جميع الحروب فى عصرنا الحديث نشبت بعد أن عُرضت على ذلك المجلس، وما حرب العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا أو الصومال أو القرم أو فلسطين الخ ببعيد، وكلها نزاعات تم عرضها على ذلك المجلس الموقر! لكنه فشل في حلها أو بمعنى أدق أخذ جانب القوي وترك الضعيف يواجه مصيره، وكما يقول المثل: "قلنا: جاي منين يا غراب؟ قال جاي من بحر القشطة: قلنا كان بان على منقارك"، أو على "بوزك" في رواية أخرى للصديق قشرة..


فهذا المجلس لم يظهر أي إمكانية في السابق حتى نتفاءل خيرا بمعالجته لقضية السد الاثيوبي، ولو كان هذا المجلس من الممكن أن يحل هذا القضية لذهبت إليه مصر منذ 10 أعوام، إذا السؤال، لماذا نطرح القضية على مجلس نعلم يقينا أنه لن يحلها، بل سينحاز لبعض القوى المعادية لمصر، أو التي لها مصلحة في وجود الأزمة تستغلها في الضغط على مصر والسودان، كما نلاحظ في الجانب الروسي الذي صار يلاعب مصر بورقة السد لترضخ للتحول التام للسلاح الروسي، أو لا تجد حلا للأزمة فتلجأ لشراء محطات تحلية المياه من روسيا؛ مما يعود بالدعم الاقتصادي عليها، ويثبًت وجودها وموقفها في الشرق الأوسط من خلال مصر، كما يضغط الروسي على السودان لترضخ بالموافقة على إقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر لروسيا؟

إثبات التعنت الاثيوبي
نجد السبب الحقيقي للجوء مصر لمجلس الأمن في حديث وزير الخارجية سامح شكري، الذي يؤكد أهمية طرح ذلك الموضوع على المجلس لتحميله المسؤولية باعتباره الجهاز الرئيسي المعني بالحفاظ على السلم والأمن والدبلوماسية الوقائية. و"منع تطور الأمور بشكل سلبي يؤدي إلى الصراع، والمجلس على مدار عامين يعقد جلسة علنية، هو أمر في حد ذاته إنجاز لم يحدث على مدار 75 عاما، لأن المجلس كان يتجنب مناقشة تلك القضايا وأنها لا ترقى إلا للنطاق الاقتصادي وقضايا الأنهار".

وأشار سامح شكرى إلى أن "المداخلات التي تمت من الأعضاء بها اهتمام بالقضية وتقديم لضرورة التوصل لاتفاق، وهناك إجماع لدى أعضاء المجلس للتوصل لاتفاق من خلال المسار الإفريقي". وتابع: "هذا إنجاز أيضا، لأن الأمور لن تمتد إلى ما لا نهاية، ولها نطاق زمني تعمل فيه، وهذا الأمر يعزز ما نطرحه وتحميل المسؤولية السياسية للأطراف، وهنا بالتأكيد الطرف الإثيوبي هو الطرف الرافض لإبداء المرونة والمفاوضات، وبالتالي تقع عليه المسؤولية السياسية، ومصر أكدت للمجتمع الدولي ووضعت في إطار رسمي تاريخ وتسلسل ما حدث من مفاوضات طوال 10 سنوات".

بمعنى أنك إذا أردت أن تتخذ خطوات لحماية نفسك فيجب أولا أن تسلك المسالك الدبلوماسية كلها وأخرها مجلس الأمن؛ لتعلمه بعدالة قضيتك وتأثيرها على وجودك، وهذه الخطوة كما ذكر السفير صلاح حليمة مساعد وزير الخارجية الأسبق، من الخطوات الدبلوماسية الأخيرة، التي قد تحيل الملف لمحكمة العدل الدولية، أو تعيد الملف مرة أخرى للاتحاد الافريقي، مشيرًا إلى أن الدبلوماسية المصرية بذلت كل ما في وسعها لحل أزمة سد النهضة تحت مظلة القانون الدولي، ولكن مع التعنت الإثيوبي صار الحل بالمفاوضات بعيدا جدا خاصة وأن إثيوبيا بدأت عملية الملء الثاني مما سيحول  مصر في القريب العاجل لمدافع عن نفسها، خاصة وأن هذا الملء إذا اكتمل أصبحت مصر والسودان تحت رحمة القرار الإثيوبي، فكما يقول بعض الخبراء إن سد النهضة يشكل خطرا على مصر والسودان من حيث السلامة الإنشائية، ويدعو للقلق حيث إن السعة التخزينية السد مبالغ فيها بنسبة 300% ويجب أن تقلص إلى الثلث.

أحلام العدو الصهيوني
ومع ذلك فسد النهضة من الصعب أن يولد 6 آلاف ميغاوات كهرباء لوجود مشكلة في التوربينات التي تم تقليصها من 16 إلى 12 تروبينا. وهو بمثابة قنبلة موجهة لمصر والسودان، ولا يجب أن يكون بهذا الحجم مهما كانت الأوضاع. والعمر الافتراضي لسد النهضة لا يتعدى 50 عامًا؛ بسبب تراكم الطمي أمامه بمعدل 300 ألف متر مكعب سنويًا، وفي حالة انهياره المتوقع سيؤدي إلى خسائر لمصر وتدمير سدود الروصيرص وسنار وموروني السودانية، حال انهياره بشكل كامل.

فسد النهضة ليس هدفه توليد الكهرباء ولكن هناك أغراض أخرى، فالسد مقام على منطقة زلزالية والمنطقة تقع في الأخدود الإفريقي، وبكل تأكيد الجانب الإثيوبي يعرف أن السد تم إنشاؤه فوق فالق زلزالي، لذلك السد معرض للانهيار، إذا فالتحرك الدبلوماسي المصري المقصود منه ليس حل القضية، فالقضية لن تحل مطلقا بالدبلوماسية أمام تعنت إثيوبيا التي تأخذ قرارها من إسرائيل مباشرة، والتي هي العدو الحقيقي لمصر، فإسرائيل تريد أن يصلها ماء النيل عبر سيناء فتضغط على مصر من خلال إثيوبيا لترضخ مصر وتتنازل عن بعض حصتها وتوافق أن تصل هذه المياه لإسرائيل، لكن العدو الصهيوني واهم، فلن تتنازل مصر عن قطرة من حصتها، ولن تصل مياه النيل للصهاينة، وفي النهاية ستدافع مصر عن وجودها بكل الوسائل المتاحة، وكانت ولا زالت صخرة من الحق، تتحطم عليها كل موجات الاعتداء والظلم والطغيان، فمصر بفضل الله ورجالها الأبطال قادرة على الحفاظ على أمنها القومي، وفي مقدمته مياه النيل.
Advertisements
الجريدة الرسمية