رئيس التحرير
عصام كامل

أموال الإخوان

عندما تقدمت عام ٢٠٠٩ باستقالتى من رئاسة دار الهلال كان يحدونى الأمل في أن أتفرغ للكتابة وكنت مهموما وقتها بدراسة وبحث تجربة الخصخصة التى قامت بها مصر منذ السبعينات من القرن الماضى، خاصة وإننى سبق لى فى نهاية السبعينات أن أنجزت كتابا عن تجربة مثالب سياسة الانفتاح الاقتصادى.. لكن بسبب الظروف التى مرت بها البلاد منذ بداية عام ٢٠١١ فإننى كلفت نفسى بمهمة التصدى بالبحث والدراسة لما شهدته البلاد من أحداث من خلال جمع المعلومات الصحيحة والحقيقية لمساعدة من سيتولى كتابة تاريخ هذه الفترةَ من حياة المصريين..


وقد بدأت هذه المهمة مبكرا بالكشف عن أسرار تنحى مبارك عن الحكم بكتابى الذى صدر فى مايو ٢٠١١ بعنوان (الساعات الأخيرة من حكم مصر).. وتوالت بعده الكتب.. ففى خريف ذات العام صدر كتاب (الإخوان فى الحكم.. فرصة العمر).. وفى العام التالى صدر كتاب (أسرى المال السياسى).. وبعد الإطاحة بحكم الإخوان بشهور صدر كتاب (الساعات الأخيرة فى حكم مرسى).. وبعده صدر كتاب ( ٥٠٠ يوم فى حكم الجنرالات) عن الفترة الانتقالية الأولى..

ثم أنجزت كتابا وثائقيا من جزئين بعنوان (اغتيال مصر) عن المؤامرة الإخوانيةَالأمريكية التى استهدفتها، من خلال أوراق قضيتى التجسس واختراق الحدود واقتحام السجون التى حرصت على حضور جلساتها.. ثم صدر لى كتاب آخر بعنوان رأس الأفعى تناول ما كتبته أساسا فى العام الذى سيطر فيه الإخوان على البلاد..

تتبع مصادر التمويل
وبعدها أنجزت كتاب ( ٣٣٥ يوما من حكم المستشار) عن الفترة الانتقالية الثانية التى مرت بها البلاد وتولى فيها المستشار عدلى منصور رئاسة الجمهورية.. ورغم أن جائحة كورونا فرضت على أن أنجز كتابين، الأول (الفقراء وعاصفة كورونا) والثانى (رؤساء وكورونا)، وأيضاً رغم إننى استقطعت بعض الوقت لتسجيل تجربتى الصحفية فى كتاب (نصف قرن قتال فى بلاط صاحبة الجلالة)، إلا أننى بقيت مشغولا طوال الوقت بإنجاز كتاب عن تمويل جماعة الإخوان..

وها هو أخيرا الكتاب يصدرمؤخرا ليلحق بالنصف الثانى من أيام معرض الكتاب بعد جهد مكثف لدار النشر (سما)، سبقه جهد واسع بذلته لجمع المعلومات الصحيحة والموثقة وتتبع مصادر تمويل تلك الجماعة، وأيضاً سبل إنفاق أموالها وطريقة إدارة هذه الأموال والصراعات التى نسبت داخلها وكانت الخلافات على الأموال سببا أساسيا لها.

وأهم نتيجة انتهى إليها كتابى هذا بعد الدراسة هى أن الأموال لم تكن تمثل مشكلة للإخوان منذ أيام التأسيس الأولى لها، وإن كان إنفاق هذه الأموال ظل دوما مشكلة كبيرة لهم، سواء فيما يتعلق بإنفاقها أو بإدارتها.. فقد توفرت الأموال منذ اليوم الأول للجماعة التى أسسها كما يقول مرشدها حسن البنّا ستة من عمال المعسكرات ال‘نجليزية فى الإسماعيلية والذين كانوا لا يملكون سوى قروش قليلة فقط..

تمويل جماعة الإخوان
وتدفقت تلك الأموال على جماعة الإخوان من خلال المنح والهبات التى حصلت عليها من جهات وحكومات داخل مصر، وأيضاً حكومات خارجها، كذلك من خلال التبرعات التى شرع البنّا فى جمعها فورا لبناء مسجد ومعه بنى فى غضون عامين فقط  أول مقر لجماعة الإخوان تملكه ومدرستين، واحدة للبنات وأخرى للبنين.. وبمرور الوقت صارت التبرعات أحد المصادر الأساسية لتمويل الإخوان، وشرعت تجمعها داخل وخارج مصر..

من خلال منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية.. وعندما جمعت الجماعة ما يكفى من الأموال شرعت فى استثمارها داخل وخارج مصر أيضا لتصبح عوائد هذه الاستثمارات أحد مصادر التمويل الأساسية للإخوان أيضا.. وبذلك لم تكن الأموال تمثل مشكلة للإخوان على مدى تسعة عقود.. لكن إنفاق هذه الأموال وارداتها كان دوما ومازال يمثل مشكلة لهم، تمخضت عن صراعات وانقسامات وفضائح لهم.

وثمة تفاصيل مثيرة حملها الكتاب فى هذا الصدد سواء ما يتعلق بجمع الإخوان للأموال أو بإنفاقها وإدارتها، وكلها سعيت أن تكون دقيقة وموثقة، خاصة وإننى أدرك إنها المحاولة الأولى التى تتصدى لبحث تمويل تلك الجماعة منذ اليوم الأول للتأسيس وحتى الآن على مدار أكثر من تسعة عقود كاملة.        
الجريدة الرسمية