رئيس التحرير
عصام كامل

البطل الفدائي وسام حافظ: شاركت بجميع عمليات المجموعة 39.. وهذا ما فعلته بعدما امتلأ ظهري وعنقي بالشظايا أثناء قيادتي لزورق تدمير "الكرنتينة" (حوار)

الزميلة نجوى يوسف
الزميلة نجوى يوسف خلال الحوار مع البطل الفدائي الربان وسام
علاقتى بـ«القناة» بدأت منذ الطفولة.. وهذه تفاصيل استشهاد زملائى الأبطال أمام عينى

والدى كان كان دفعة الرئيس عبد الناصر ومن الضباط الأحرار وكانا زملاء فى حرب 48 


شاهدت فى صالون منزلنا بمصر الجديدة والدى والرئيس عبد الناصر وهم يخططون لتأميم القناة عقب خروج الإنجليز من مصر

والدى قال لضابط إنجليزى بعد طردنا من النادى: «ستعود إلى أبنائها قريبًا»

البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى اختارنى للانضمام إلى المجموعة «39 قتال».. واخترت العمل فى القناة بعد تقاعدى

الشهيد «عصام» كان يستعد للسفر لروسيا لتلقى فرقة قتالية لكنه أصر على المشاركة بعملية الرصيف رغم حصوله على «جواب الإجازة»

الشهيد «عامر» كان يستعد لإتمام مراسم زواجه لكنه رفض النزول وبكى عندما اعترضنا على حضوره عملية الكرنتينة


«التاريخ لا ينسى الأبطال».. والبطل الفدائى الربان وسام عباس حافظ، كبير مرشدى قناة السويس، وأحد أبطال المجموعة 39 قتال الشهيرة، واحد من الأبطال الذين لا يمكن إن تتجاهلهم ذاكرة التاريخ، لا سيما أن صفحات خدمته فى القوات المسلحة ممتلئة بـ«البطولات» والتضحيات والعمليات الانتحارية التى كان شريكًا أساسيًا فيها.

«فيتو».. التقت البطل الفدائى وسام عباس حافظ، وحاورته واستمعت منه إلى ذكرياته منذ الطفولة عن قناة السويس، إلى جانب الحديث عن أبرز العمليات الفدائية التى شارك فيها، والأسباب التى دفعته لتقديم طلب للخروج من الخدمة العسكرية والعمل فى قناة السويس بعد عودة الملاحة بها.. وكان الحوار التالى:

*بداية.. تربطك و«قناة السويس» ذكريات كثيرة.. حدثنا عنها؟

أولًا.. أريد الإشارة إلى أن قناة السويس، تعتبر «صمام الأمان» للعالم أجمع، والأيام أثبتت هذه الرؤية، وما فعلته مصر عندما قرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس كان حقًا مكتسبًا لمصر؛ لأنها قطعة غالية من أرض الوطن، وعندما هب رجال الجيش المصرى البواسل لاقتحام خط بارليف فى العاشر من رمضان فى 6 أكتوبر 73 كان مكسبًا جديدًا يضاف إلى سجل الإنجازات المصرية.

وتابع العالم مؤخرًا إعجاز جديد حدث هناك، بعدما جنحت السفينة البنمية «إيفر جرين» وعطلت مجرى الملاحة فى القناة، وتأثرت حركة التجارة العالمية طوال أيام جنوح السفينة، وطرحت دول كبرى لها سوابق فى التعامل مع هذه النوعية من الأزمات التدخل مع وعد بإنهاء المشكلة خلال أشهر، غير إن المصرى كان له رأى آخر، عندما نجح رجال وأبطال الهيئة فى إعادة السفينة الجانحة إلى مسارها الطبيعى فى أقل من أسبوع، وسط ذهول العالم من هذا الإنجاز الذى تم بأيدٍ مصرية.

*هل تذكر زيارتك الأولى لقناة السويس؟

بالطبع.. أول مرة زرت فيها السويس، إحدى مدن القناة عام 1951 عندما كان عمرى 7 سنوات وقتها كان والدى ضابطا فى سلاح «حرس الحدود» ويعمل فى السويس، وذهبت معه برفقة شقيقى وائل إلى نادى هيئة قناة السويس الذى كان مقسما لقسمين، جزء للمصريين وهو عبارة عن خرابة كل ما فيها تظهر عليه علامات الصدأ، فى حين أن الجزء الثانى المخصص للأجانب كان عبارة عن «جنة» بها كل الأشياء الفاخرة من طاولات للطعام وملاهى للأطفال وبالونات وأشجار منورة.

وكان هذا الجزء ممنوع على المصريين دخوله ، فما كان منى أنا وشقيقى إلا أن تسللنا إلى هناك ، غير إن إحدى الفتيات شاهدتنا وبدأت فى البكاء، واندفع مدير النادى للحاق بنا، وبالفعل أمسك بنا وحملنا، أنا وشقيقى، وكأننا «شوالين» ورمى بنا خارج النادى، بعدها بدقائق حضر والدى فحكينا له القصة فدخل منفعلًا وأخذنا إلى الضابط الإنجليزى وقال له: «هذه أرض مصرية، وهما مصريان وهذه أرضهما»، ليرد عليه الضابط الإنجليزى: «هذه القناة ملكنا»، فما كان من أبى إلا أن قال له: «قريبًا ستعود إلى أبنائها»، ومن وقتها ظللت أترقب وأستعد للعودة إلى النادى وهو خال من الإنجليز.

*كنت شاهد عيان على أحداث «تأميم القناة».. ما الذى تتذكره من هذه الأيام؟

كما سبق وأشرت إلى إن والدى كان ضابطًا فى الجيش المصرى ويعشق تراب الأرض، وكان دفعة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكانوا زملاء فى حرب 48، وأيضًا كان من الضباط الأحرار، وشاهدت فى صالون منزلنا بمصر الجديدة والدى والرئيس الراحل جمال عبد الناصر وهم يخططون عام 54 لتأميم القناة عقب خروج الإنجليز من مصر.

وليس كما يعرف الناس أن «عبد الناصر» قرر تأميم القناة بعد رفض البنك الدولى تمويل السد العالى، فهذا من ضمن الأسباب وليس السبب الوحيد ، وأذكر أنه كان يطلب من والدى إحضار كل الخرائط والكتب القديمة التى تثبت ملكية مصر للقناة، وكانوا يدرسون مشروع التأميم وعودة القناة لمصر مهما كانت درجة الخطورة.

وبالفعل خططوا للموضوع بشكل رائع حتى تم التأميم، وغضب العالم من القرار المصرى، وجرى الاعتداء علينا فى عام «56» من جانب إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وهو ما يعرف بـ«العدوان الثلاثي»، لكن مصر دافعت بكل قوة عن حقها ولم تستطيع هذه الدول استرداد ما أعادته مصر إليها.

*ننتقل إلى محطة «حياتك العسكرية».. متى التحقت بالقوات البحرية؟

كنت «هتجنن» والتحق بالقوات البحرية، لأننى مغرم بالبحر، والتحقت بالقوات البحرية فى أكتوبر 1961، وتخرجب برتبة ملازم بحرى فى 26 يوليو 1964، وخدمت بالعديد من أفرع القوات البحرية بداية من العمل على كاسحات الألغام وسفن مكافحة الغواصات ولنشات الطوربيد ولنشات الصواريخ وعلى المدمرة «الفاتح»، وهو ما أكسبنى خبرة أهلتنى للانضمام إلى لواء الوحدات الخاصة للقوات البحرية أو الصاعقة البحرية فى سبتمبر 1965.

وفى عام 1966 كلفت بتأمين ميناء الحديدة باليمن الذى كان يتم إمداد القوات المصرية الموجودة منه، وكان ذلك خلال الفترة من أغسطس 1966 حتى 12 يونيو 1967.

*متى كان قرار انضمامك إلى المجموعة 39 قتال الشهيرة وقائدها البطل إبراهيم الرفاعى؟

فى سبتمبر 1967 تعرفت على البطل إبراهيم الرفاعى الذى اختارنى ضمن مجموعة العمليات الخاصة التى تم تشكيلها من عناصر الصاعقة والصاعقة البحرية والضفادع البشرية لتنفيذ عمليات استطلاع وهجوم ضد العدو الإسرائيلى المتغطرس بسيناء من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، وكانت المجموعة تتبع المخابرات الحربية مباشرة.

وشاركت أبطال المجموعة فى جميع العمليات فى عملية التخطيط والاستطلاع وكقائد لأحد زوارقها وتأمين منطقة الانزال، وحماية المجموعة أثناء العمليات ثم العودة برجال المجموعة مرة أخرى بمهارة فائقة أثناء المطاردات والمناورات التى كان نقوم بها ضد زوارق العدو الحربية وطائراته المقاتلة.

*ماذا عن أبرز العمليات التى يمكن القول إنها تركت أثرًا فى نفسك بعد تنفيذها؟

لم ولن أنسى يومًا عملية تدمير «رصيف الكرنتينة» الذى يعتبر أهم ميناء تقوم فيه السفن الإسرائيلية بالتموين وإنزال جنودها المتجهين أو القادمين من سيناء، وكان يقع فى مواجهة السويس، وكان يستخدم قبل الاحتلال الإسرائيلى فى استقبال الحجاج العائدين من السعودية ويتم حجرهم لمدة ثم يعودون بعدها إلى منازلهم، وكنت قائدا لأحد الزوارق المشاركة، ومهمتى الاستطلاع والقيادة، وفخخت المجموعة الميناء.

لكن تأخرت إحدى العبوات التى جرى زرعها فى الرصيف، فما كان من البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى إلا أن يقرر العودة مرة ثانية ليتفحصها، وقبل أن يصل إلى مكانها انفجرت، وقتها شعرت بنا القوات المعادية وبدأت دبابات العدو تصوب قذائفها على الزوارق المصرية، وكنت أتفادى الدانات فى وسط أمواج القناة وأثناء تفادى هذا القصف اصطدمت إحداها بسطح الماء وارتفعت مرة أخرى بميل نحو القارب الذى كنت أقوده وعليه ثمانية من أفراد مجموعتى، واخترقت شظية رأس المقاتل عامر، وخرجت منه لتطيح برأس الرائد عصام الدالى، مهندس عمليات المجموعة.

وامتلأ ظهرى بالشظايا ومنها شظية اخترقت عنقى، ورغم ذلك تحكمت فى الزورق بكل قوتى حتى أتمكن من إعادة بقية أبطال المجموعة أحياء، وجسدى الشهيدين، وأذكر أن الشهيد «عصام» كان يستعد للسفر إلى الاتحاد السوفيتى للحصول على فرقة قتالية هناك، غير أنه أصر على المشاركة فى العملية رغم حصوله على «جواب الإجازة».

والشهيد «عامر» هو الآخر كان يستعد لإتمام مراسم زواجه، غير إنه هو الآخر رفض النزول فى إجازة وقرر المشاركة فى العملية، وبكى عندما اعترضنا على حضوره العملية ومطالبتنا بأن ينزل «إجازة الزواج»، فما كان من الشهيد «الرفاعي» أمام إصراره على المشاركة إلا أن يرضخ لمطلبه ويضمه للمجموعة.

*لماذا قررت ترك الخدمة العسكرية؟

تركت الخدمة فى 1 يناير عام 1976 بعد انتهاء الحرب، وذلك بناءً على طلبى وتقدمت بطلب للعمل كربان فى قناة السويس، وبالفعل تم قبول طلبى بعد أن شاركت فى تطهيرها وإعادتها إلى العمل مرة ثانية بعد مرور 6 أعوام على قرار وقف الملاحة.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"...





الجريدة الرسمية