رئيس التحرير
عصام كامل

حسنات المصالحة الخليجية.. تكتب نهاية الدور التركي في ليبيا وسوريا.. تمهد لاستقرار اليمن.. وتوحد الصف العربي

من قمة العلا التاريخية
من قمة العلا التاريخية
«قمة العُلا» أو القمة الخليجية رقم 41، واحدة من القمم الخليجية التي لا يمكن تجاهل أمور عدة تحيط بها، سواء موعد انعقادها، وسط جائحة تضرب العالم، وإجراءات وقائية واحترازية تفرضها الحكومات على الجميع بلا استثناء، وعواصم مشتعلة بالأحداث السياسية والمؤامرات الخارجية، وأطراف بعضها حجز له مقعدًا على طاولة القمة، وأخيرًا أزمة «خليجية – خليجية – عربية»، امتدت لسنوات عدة بين الرباعي العربي (مصر، السعودية، الإمارات، البحرين) وإمارة قطر.


أزمة شهدت القمة الـ41 إسدال الستار عليها، والإعلان عن فتح صفحة جديدة بين العواصم الأربعة و«الدوحة»، هذا إلى جانب أنها ألقت بظلالها على العديد من الملفات الملتهبة بالمنطقة، ومن بينها الملف السوري والليبي واليمني.

الأزمة الليبية

وفي هذا السياق يرى محللون، أن المصالحة الخليجية ستنعكس بشكل إيجابي على الأزمة الليبية، ودعم الحلول السلمية السياسية، واللجوء إلى الحوار ووقف عمليات التحشيد العسكرية لطرفي الأزمة هناك، خاصة في ظل إمكانية لعب السعودية دورًا أكبر في الملف خلال الفترة المقبلة، وبناء الثقة بين القوى العربية الفاعلة في الأزمة.

وكذلك تمهيد الطريق لتهدئة الخطاب الإعلامي المضاد للمسار السياسي في ليبيا، بما يخدم في النهاية جهود البعثة الأممية التي تعمل منذ فترة دون جدوى على إيجاد حلول للأزمة.

الملف السوري

كما انعكست المصالحة أيضًا على الملف السوري، بشكل قد يجعل من التقارب القطري مع الأشقاء العرب، فرصة لوقف التمدد التركي على الأراضي السورية، وبالأخص في الجزء الشرقي من البلاد، والذي يقع فيه أكبر تمركز لقوات سوريا الديمقراطية، خاصة وأن بيان القمة تطرق إلى المسألة.

وأعرب القادة المشاركون عن ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية، واحترام استقلالها وسيادتها على أراضيها، ورفض التدخلات الإقليمية في شئونها الداخلية، وكل ما يمس الأمن القومي العربي ويهدد الأمن والسلم الدوليين، والتطلع إلى حل سياسي قائم على مبادئ «جنيف 1» وقرار مجلس الأمن رقم 2254 بتشكيل هيئة انتقالية للحكم تتولى إدارة شئون البلاد، وصياغة دستور جديد والتحضير لانتخابات.

استقرار اليمن

أما فيما يتعلق بالجانب اليمني، فمن المتوقع أن يكون للمصالحة الخليجية التأثير الأكبر على الوضع المتأزم في اليمن منذ سنوات، فبحسب الحكومة اليمنية فإن «المصالحة ستنعكس إيجابا على البلاد».

كما أعربت الحكومة اليمنية عن أملها في مزيد من الدعم السياسي والاقتصادي والعمل على مهمة إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة وتحقيق السلام، خاصة بعدما كانت القضية اليمنية كانت هي الخاسر الأكبر من الأزمة الخليجية، في ظل انسحاب قطر من التحالف وتفرغ الآلة الإعلامية لتصفية حسابات سياسية؛ لذلك يرى مراقبون أن الأيام القليلة المقبلة ستحمل تهدئة إعلامية يعقبها تهدئة على الأرض ولا سيما في المحافظات المحررة.

توحيد الصف

من جانبه، قال الدكتور إسماعيل تركي، المتخصص في الشأن الدولي: لا يمكن لأي عربي واع بمخاطر وتهديدات الأمن القومي العربي أن يكون ضد المصالحة الخليجية مع قطر، لأنها تصب في إعادة توحيد الصف العربي، والحفاظ على ما تبقي من أمن قومي عربي.

لكن يظل هناك تخوف كبير من السياسات القطرية وهل ستنظر لهذه المصالحة من باب الانتصار وفرض سياستها والاستمرار بمواقفها العدائية للدول العربية، وتمويل الجماعات المسلحة والتدخل السافر في الشئون الداخلية للدول، في ظل علاقة وثيقة بالجماعات الإسلامية أم أنها قد وعت الدرس جيدا.

وعلمت أن الرباعي العربي ملتزم بحماية أمنه من أي تهديد، وتلتزم قطر بما جاء في بيان قمة العلا وتتوقف عن التدخل في الشئون الداخلية للدول، وبما يستتبعه من وقف جزء كبير من مصادر التمويل للمسلحين في العديد من البلدان العربية وعلى رأسها ليبيا واليمن وسوريا.

وأضاف: في الملف الليبي معلوم للجميع مدي الدور القطري التركي عن طريق تمويل المسلحين والمرتزقة ونقلهم من شمال سوريا عن طريق الطرف التركي بتمويل قطري، الأمر الذي يؤجج الصراع بالداخل الليبي ويزعزع استقرار وأمن المنطقة وخاصة الأمن القومي المصري.

لذا في رأيي أن التزام قطر بما جاء في بيان المصالحة وتوقفها عن التدخل في الشئون الداخلية للدول ووقف تمويل الميليشيات والكف عن مساندة الدور التركي وتقديم الدعم المالي للسياسات التركية، وسيؤدي ذلك بالتأكيد لضعف مصادر تمويل هذه الميليشيات الأمر الذي سينعكس بدوره على السير قدمًا في المسار السياسي الذي ارتأته الأطراف الليبية، ودعمته القوى الدولية والإقليمية في مؤتمر برلين وإعلان القاهرة ومحادثات جنيف.

التصدي لتركيا

من هنا نقول إن المصالحة الخليجية مع قطر قد تصب بشكل إيجابي في حلحلة الملف الليبي عن طريق وقف الدعم للسياسات التركية من جانب قطر وزيادة النفوذ (السعودي، الإماراتي، والمصري) للتأثير بصورة إيجابية على الدول المتداخلة في الأزمة الليبية ما سيعطي دعمًا وفرصًا أكبر للحلول السلمية.

إلا إذا أقدمت تركيا على الاستمرار في سياساتها الاستفزازية، وتأجيج الصراع الداخلي في ليبيا عن طريق الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق بشكل منفرد، وحينها ستواجه السياسات المصرية المدعومة من الأطراف العربية.

كما أشار «د.إسماعيل» إلى أنه فيما يخص الملف اليمني، فإن المصالحة تعيد قطر لمجلس التعاون الخليجي بشكل كامل ورغم أن المصالحة لا تزال في بدايتها، إلا أن الأجواء الودية التي رأينها بين كل من قطر والسعودية وخاصة بين (تميم – ابن سلمان) نتوقع أن يكون هناك تقارب سعودي قطري متسارع.

وهو ما يخصم مباشرة من الرصيد الإيراني في اليمن، حيث إن انضمام قطر والتزامها بما تم الاتفاق عليه سيؤدي إلى وقف الدعم للحوثيين الذراع الإيرانية في اليمن، حيث طوال فترة المقاطعة كانت قطر أكثر قربا من الحوثيين وحزب الإصلاح والداعمين لهم وخاصة إيران، الغريب في الأمر أن طرفي الصراع في اليمن قد رحب بإعلان المصالحة مع قطر أملين أن تكون بداية لنهاية التوترات في المنطقة.

واعتقد أن أهم أثر للمصالحة على الصراع في اليمن هو تهيئة الأجواء لإيجاد حل سياسي من خلال تخفيف الحملات العدائية، وإيجاد أرضية مشتركة تساعد فيها قطر لوقف الدور التخريبي التدميري للحوثيين، وإبرام اتفاق سياسي ملزم مع الحكومة اليمنية، فمن مصلحة دول الخليج العربي مجتمعة الحفاظ على مصالحها وخاصة في اليمن والعمل على إبعاد الحوثيين قدر الإمكان بعيدًا عن إيران، وقد تلعب قطر دورًا مهمًا في هذا السياق.

وأوضح أنه «في الأزمة السورية، لا يختلف الأمر كثيرًا، فقد تلقت المعارضة السورية والفصائل المقاتلة وخاصة الإسلامية منها دعمًا خليجيًا كبيرًا استفادت منه المعارضة في بسط نفوذها في سنوات الصراع الأولى على عدد من المناطق.

لكن التدخل الروسي الإيراني عرضها لنكسات متتالية، وهذا ما يجعلنا نذهب إلى أنه لن يكون هناك تأثير كبير للمصالحة الخليجية على الأزمة السورية مع تخفيف الدعم لهذه الجماعات من الدول الخليجية».

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية