رئيس التحرير
عصام كامل

هل انتهى زمن أدب الرعب والخيال العلمي.. رحيل نبيل فاروق يطرح السؤال.. ووفاة أحمد خالد توفيق خسارة للكتابة التشويقية

نبيل فاروق وأحمد
نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق
فقدت مدرسة أدب الرعب والأدب البوليسى والخيال العلمى في مصر اثنين من أهم فرسانها على الإطلاق هما: أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق.

جمعتهما الدروب وتشابهت المصائر، سواء في النشأة بمدينة طنطا، أو دراسة الطب، أو التميز والإبداع في نوع خاص من الأدب، استقطب جيلًا وراء جيلًا، وحقق انتشارًا واسعًا، وبدا ذلك جليًا في حالة الوداع لكل منهما.


بحُكم السن..بدأ نبيل فاروق مسيرته الأدبية اللامعة، وأبدع: "رجل المستحيل" و"ملف المستقبل" و"كوكتيل 2000"، ثم لحق به أحمد خالد توفيق وأبدع سلسلة "ما وراء الطبيعة" و"فانتازيا"، وكان كل منهما سعيدًا بنجاح الآخر، ورغم هذا النجاح الباهر، إلا إن كلًا منهما احتفظ بشخصية هادئة ومهذبة ومتزنة وعاقلة، ولم تغيرهما الأضواء ولم تحولهما الشهرة، ولم يصبهما الغرور الذي يجتاح الصغار ومُحدثى النجاح.

رحل أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق، على الترتيب، تاركين خلفهما مسيرة أدبية ناصعة، سوف تخلد مسيرتهما طويلًا، والسيرة أطول من العُمر، ولكن يبقى السؤال: ما مستقبل مدرسة أدب الخيال العلمى والأدب البوليسى.

زمن الرعب

وهل هناك أدباء واعدون قادرون على استكمال المسيرة وتقديم أعمال ناجحة على غرار ما قدماه الراحلان وما الأبعاد الأدبية والنفسية التي جمعت بينهما؟ وهل لا يزال هناك قراء نهمون لهذا الفن المتفرد، وهل لا تزال هناك دور نشر تهتم بهذا اللون الاستثنائى؟ فيتو تناقش هذه القضية وأبعادها في هذا الملف

الطريق من البداية

تبدأ قصة الثنائي في عالم نشر أعمالهم عام 1977 وذلك عندما نشرت مجلة "تان تان" في نسختها العربية، صفحة كاملة من أعمال القراء، حيث جاء في نصفها الأعلى رسومًا باسم الطالب الجامعي حينذاك "نبيل فاروق" وفي نصفها الآخر أشعارًا للفتى "أحمد خالد توفيق"، حيث غمرت الثنائي الفرحة من تواجدهما في العدد، ولم يلتفت أحدهما إلى اسم الآخر، غير أن القدر جمعهما فيما بعد في عالم الأدب.

اهتم نبيل فاروق بالقراءة منذ طفولته، وكان والده يشجعه على ذلك، وبدأ محاولات الكتابة في المدرسة الإعدادية، وانضم إلى جماعة الصحافة والتصوير والتمثيل المسرحي في المدرسة الثانوية، وقبل تخرجه في كلية الطب بعام واحد حصل على جائزة من قصر ثقافة طنطا عن قصة "النبوءة"، وذلك في عام 1979م، والتي أصبحت فيما بعد القصة الأولى في سلسلة "كوكتيل 2000".

بداية التحول في مسيرة نبيل فاروق الأدبية كانت في عام 1984م عندما اشترك بمسابقة لدى المؤسسة العربية الحديثة، وفاز بجائزتها عن قصته "أشعة الموت" والتي نشرت في العام التالي كأول عدد من سلسلة "ملف المستقبل".

العراب

تمر الأيام والسنون على أحمد خالد توفيق، ويطالع مطلع تسعينيات القرن الماضي إعلانا عن استقبال المؤسسة العربية الحديثة للنشر أعمال الشباب، لتقييمها والاختيار بينها لاكتشاف نجوم جدد، وعلى الفور سعى "توفيق" إلى بدء أولى خطواته لنشر إبداعاته، فأرسل قصة قصيرة بعنوان "أسطورة مصاص الدماء"، لكن واجهتها اعتراضات كثيرة داخل المؤسسة العربية الحديثة، إلا أن حمدي مصطفى، مدير المؤسسة في ذلك الوقت اقتنع بقصته وعرضها على لجنة لاختبار مدى قوتها، لكن اللجنة انتقدت فكرة الرواية والأسلوب.

أصر حمدي مصطفى على عرض القصة على لجنة أخرى، وفوجئ أحمد خالد توفيق برأي اللجنة الثانية ينصف الرواية ويصفها بأنها ذات أسلوب ممتاز، وبها حبكة روائية وإثارة وتشويق، وكان هذا الكلام بتوقيع من الدكتور نبيل فاروق.

"كنت المسئول عن النشر وقتها في المؤسسة لكني كنت مسافرا، ولجنة قراءة تانية هي اللي شافت القصة"، يحكي نبيل فاروق ما فعله فور قراءته لعمل أحمد خالد توفيق، حيث أكد في أكثر من لقاء ومقابلة تليفزيونية أنه أبلغ الإدارة وقتها بضرورة التعاقد معه قائلا:"كان موهوبًا وأسلوبه منفردًا وبيكتب شيء جديد تمامًا، قولتلهم الراجل دا هينافسنا، فخليه معانا أفضل".

وعلق أحمد خالد توفيق على هذه الواقعة في إحدى لقاءاته قائلا: "لن أنسى لدكتور نبيل فاروق أنه كان سببًا مباشرًا في دخولي المؤسسة، وإلا فإنني كنت سأتوقف عن الكتابة بعد عام على الأكثر"، وبالفعل صدقت نبوءات نبيل فاروق عن أحمد خالد توفيق، حيث حقق نجاحا كبيرا بسلسلة روايات "ما وراء الطبيعة" وأعماله الأخرى مثل "فانتازيا"، والتي ساهمت في إعلاء شأن المؤسسة لتظل الأكثر مبيعًا في الشرق الأوسط من خلال قراء كل من نبيل فاروق عشاق الأدب البوليسي، ومحبي كتابات الفانتازيا والخيال ل"توفيق".

المنافسة 

كان طبيعيا أن تحدث منافسة بين الصديقين قال عنها نبيل فاروق: "هي وسيلة التألق، لما حد ينافسني هسعى إني أكون أفضل، والحقيقية مفيش حد مننا أثر على مبيعات الشخص التاني، كل واحد له جمهوره الخاص". ظلت العلاقة ممتدة لنحو 30 عامًا تشكل تجربة كل منهما وجدان أجيال عديدة من جميع الفئات العمرية وبخاصة الشباب، من خلال أعمالهما، حيث كانت دافعًا للثقافة والمعرفة والتطور في عالم الأدب العربي، لينفوا بما قدموه ما أُشيع حول كتاباتهم بأنها "أدب للأطفال".

تعلقت قلوب الشباب بشخصيتي "رفعت إسماعيل"، و"أدهم صبري"، أبطال سلسلتي "رجل المستحيل"، و"ما وراء الطبيعة"، وظلت تشغل لوقت طويل عقولهم، يقتفون آثارها ويتابعون ما يخوضونه من مغامرات وحوادث، حتى أصبحت أكثر شخصيتين أدبيتين شعبية في حقبة زمنية ليست قصيرة.

لم يكن الرفيقان من محبي الظهور الإعلامي والصحفي، ولم يكونا من مدمني الشهرة، على الرغم من النجاحات التي ظلا يحققانها لسنوات طويلة حتى جاء عام 2008، وحصد الدكتور نبيل فاروق جائزة الدولة التشجيعية في الأدب، ولم يختلف حال الرفيق كثيرا، حيث ضرب "أحمد خالد توفيق" عام 2008 أيضا موعدا مع تكليل مسيرة طويلة بالنجاح، وذلك مع نشر روايته الأشهر والأكثر إثارة "يوتويبا".

كما كُرم "توفيق" في مناسبات عدة من بينها جائزة الرواية العربية في 2016، واعترف الجميع بدور الراحلين في نشر المعرفة لسنوات طويلة.

رحيل العراب

وفي أبريل 2018، توفي أحمد خالد توفيق، وصعق الخبر العديد من محبيه وقرائه بجانب رفيق رحلته نبيل فاروق، الذي قال خلال ندوته الثقافية في معرض الكتاب بدورته الأخيرة عن حاله وقت تلقى خبر الرحيل: "حسيت بإن نص كياني راح مني". كان مؤلف فيلم "الرهينة" ومسلسل "العميل 1001"، حريصًا دائمًا على حكي الذكريات الحلوة مع "توفيق" كأنها تُعيده إلى زمن يُحبه لم يعد موجودًا.

نقلًا عن العدد الورقي...،
الجريدة الرسمية