رئيس التحرير
عصام كامل

مسجل صوت فجر طائرة.. لوكربي جريمة مروعة لا يعلمها مواليد الثمانينات

حطام طائرة لوكربي
حطام طائرة لوكربي عام 1988
فتحت وزارة العدل الأمريكية برئاسة المدعي العام، وليام بار، ملف تفجير طائرة لوكربي، مجددا ووجهت تهم جنائية في الأيام المقبلة ضد مشتبه به آخر في حادث لوكربي، وهو خبير متفجرات ليبي يدعى أبو عجيلة مسعود، تزامنا مع الذكرى السنوية 32 للتفجير الأكثر دموية في حوادث الطيران.


والمشتبه به، الذي يدعى أبو عقيلة محمد مسعود، مسؤول في المخابرات الليبية، ووجهت له تهمتان مرتبطتان بالتفجير.

كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية ذكرت الأسبوع الماضي، أن "مسعود" محتجز في ليبيا وسيسلم إلى الولايات المتحدة من أجل محاكمته.

وفي الوقت الذي اتهمت واشنطن مشتبها ليبيًّا آخر في التفجير، تسعى عائلة المتهم الرئيس ضابط الاستخبارات الليبية الراحل عبد الباسط المقرحي لتبرئة ساحته من الاتهام بالرغم من رحيله عن الحياة.



فما هي القضية التى اعتادت أمريكا جعلها شوكة فى ظهر ليبيا على مر العقود، بدأتها مع معمر القذافى وحصلت منه على مليارات التعويضات والآن تعيد فتحها لتظل فاتورتها تلاحق أجيال ليبية لم تعاصرها من الأصل.

وتعود تفاصيل الواقعة إلى يوم الأربعاء الموافق 21 ديسمبر 1988، حينما أقعلت رحلة شركة بان أمريكان رقم 103 من مطار هيثرو بلندن وعلى متنها 259 شخصا بين مسافر وطاقم، وتوجهت شمالا، بعد أن عبرت الحدود مع إسكتلندا، انحرف قائد الطائرة قليلا إلى الغرب، كان مقررا أن تتجه الطائرة عبر المحيط الأطلسي في طريقها إلى مطار كنيدي في نيويورك.

ولكن بعد وقت قصير من الساعة السابعة مساء، اختفت الرحلة 103 من شاشات الرادار، وشوهدت عدة إشارات وهي تهوي أرضا من المكان الأخير الذي رصدته أجهزة الرادار.

لم تصدر عن الطائرة المنكوبة أي نداءات استغاثة، وبعد السابعة كان هناك صمت تام، بينت التحقيقات فيما بعد أنه كانت هناك قنبلة مخبأة في مخزن البضائع الأمامة داخل جهاز تسجيل صوتي تم وضعه في حقيبة بمجرد تفجيرها هوت قمرة القيادة والجزء الأمامي من الطائرة، مع من كان فيهما في ركاب وطاقم، إلى الأرض من ارتفاع 31 ألف قدم.



ارتطم الحطام بالأرض في حقل قريب من كنيسة توندرجارث التي تبعد بميلين ونصف الميل إلى الشرق من لوكربي، أما الجزء المتبقي من الطائرة، فقد هوى بحدة من 31 إلى 19 ألف قدم.

في تلك اللحظة، وعندما كان ما تبقى من الطائرة يحلق فوق لوكربي مباشرة، انفصل عنها الجزء الذي يحمل الجناح بأكمله، هوى الجناحان وخزانات الوقود في خط مستقيم تقريبا، على حي شيروود كريسنت بالقرب من دار الأب كيغانز.

أدى الانفجار إلى ارتفاع أكثر من 1500 طن من المواد في الجو، مما ترك حفرة لا يقل طولها عن 143 مترا.

أما الجزء الخلفي من الطائرة، والذي كان يحمل معظم ركابها، فقد سقط في روزبارنك المنطقة المحيطة بدار بيتر جيسيكي، تحولت السماء خلال هذه الدقائق إلى اللون البرتقالي وانتشرت أشلاء الضحايا على الأرض.

بعد سلسلة تحقيقات سرية وتكهنات إعلامية، وجه الاتهام لعدة حركات مصنفة إرهابية ودول مختلفة يجمع بينها صفة العداء للولايات المتحدة الأمريكية.

الأمر الذي دفع عائلات ضحايا لوكربي بتأسيس مجموعة ضغط تنادي بالقبض على مرتكبي الجريمة وبالعقوبات وبأي شيء من شأنه تطبيق العدالة.

وبعد سنوات طويلة من التحقيقات تنقلت الاتهامات شرقاً وغرباً وفق مصالح الطرف القوي الولايات المتحدة، وقد ألقيت المسؤولية أولاً على منظمة فلسطينية، ثم على سوريا، وبعدها على إيران، وأخيراً توصلت الاستنتاجات والتحقيقات إلى ليبيا.



وبالتزامن صدر في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في 13 نوفمبر 1991 أمر بالقبض على مواطنين ليبيين اشتبه في مسؤليتهما عن تفجير الطائرة؛ كونهما يعملان بمكتب شركة الخطوط الجوية الليبية بمطار لوقا بمالطا وقيل إن بمعرفتهما تم شحن حقيبة تحتوي على متفجرات.

في بادئ الأمر رفضت ليبيا الطلب وبدأ القضاء الليبي التحقيق في الاتهام، وأوقف المواطنين الليبيين، وطلب من الدولتين تقديم ما لديهما من أدلة ضدّهما.

أصرت الدولتان على طلبهما ورفضت ليبيا الاستجابة، لما رأته، حسب ما أعلنته، من اتهامات باطلة تثيرها الدولتان دون توفّر أية أدلة لديهما.

عندما أحست الدولتان -أمريكا وبريطانيا- أن ثغرة قد فتحت في جدار العقوبات المتصدع، قبلتا في 24 أغسطس 1998 بمحاكمة الليبيين في بلد ثالث هو هولندا حيث وافقت ليبيا حينها.



وبعد إجراءات استمرت فترة بدأت المحاكمة بهيئة مؤلفة من 3 قضاة، واستمرت لمدة 84 يوما من المرافعات القانونية، وفي 31 يناير 2001 أدانت المحكمة أحد المتهمين استنادًا إلى قرائن ظرفية وبرأت الآخر، وحكم على عبد الباسط المقرحي ضابط الاستخبارات السابق ومدير الأمن في الخطوط الجوية الليبية آنذاك في 31 يناير 2001 بالسجن المؤبد إثر إدانته بالتورط.



في نوفمبر 2003، قررت المحكمة العليا في إسكتلندا أن يقضى المقرحي 27 عامًا على الأقل في السجن قبل الإفراج المشروط عنه لظروفه الصحية، وقد قضى فترة سجن طويلة معتقلاً في سجن قرب جلاسجو إلى أن تم الإفراج عنه بسبب إصابته بمرض سرطان البروستاتا وتمت إعادته إلى ليبيا دون تبرئته.

وعلى خلفية هذا الحكم دخلت الدولتان في مفاوضات مع ليبيا أسفرت عن الوصول إلى تسوية تدفع بموجبها ليبيا تعويضات إلى أسر الضحايا وتعلن مسؤليتها عن أعمال موظفيها، وهو ما تم بالفعل.
وعلاقة الدولتين وليبيا الآن على درجة من الوئام لم تعرف منذ زمن، وقد ترأس لجنة المفاوضات عن الجانب الليبي عبد العاطي إبراهيم العبيدي رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق والذي كان عند بداية القضية مندوب ليبيا في الجامعة العربية وسفير ليبيا في تونس.

وكلفت القضية ليبيا ملياري دولار، بعد خفضها من 8 مليارات إلى مبلغ 4 مليارات، وقد انتهت عملية التصالح بنحو 2.8 مليار دولار ، وتم تعويض أسر الضحايا بنحو 2 مليار على نحو دفعتين وأخرى 800 مليون؛ طالب معمر القذافي بإيقاف صرفها.
الجريدة الرسمية