رئيس التحرير
عصام كامل

إنك بأعيننا

بين الفينة والأخرى نعاين أقوالًا أو أفعالًا من الغرب تسئ إلى رسولنا الحبيب تدمي القلب وتدمع العين، وتشتدّ تلك الهجمة على شخصه الكريم مع اقتراب مولده –صلوات ربي وسلامه عليه-، ولو عرفوه حق المعرفة ووَعوا وأدركوا منزلته عندنا وعند الخالق قبلنا وتلمَّسوا هَدْيه لانتهوا عما يقولون وعما يفعلون، ولندموا على ما قالوا وما فعلوا.


وللوقوف على منزلته صلى الله عليه وسلم دعونا نقرأ قول الله -عز وجل- في مُحكم كتابه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132]، وقوله سُبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]، ووعيده في قوله جل شأنه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } [الأحزاب: 57].

الميثاق النبوي لقيم ومبادئ الأخوة الإنسانية
ففي هذه الآيات الكريمات قرن الله -عز وجل- طاعته بطاعة نبيه –عليه أفضل الصلاة والتسليم- وعدَّ لمن امتثلها الثواب الجزيل، ولمن عصي واعتدى وأذى العذاب المُهين؛ مما ينبئ عن عِظم منزلته عنده جلَّ في عُلاه وتشريفًا لقدره.
كما قرن الله –عز وجل- الإيمان به –صلوات ربِّي وسلامه عليه- بالإيمان به سبحانه؛ فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }" [النساء: 136].

وجعل إرساله للعالمين نعمة امتنَّ بها على عباده ورحمة لهم؛ فقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [آل عمران: 164]، وقال جلَّ شأنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107].
بل وشرفه بالصلاة عليه؛ فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56، 57]، يقول القُرطبيُّ: "هَذِهِ الْآيَةُ شَرَّفَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ، وَذَكَرَ مَنْزِلَتَهُ مِنْهُ، وَطَهَّرَ بِهَا سُوءَ فِعْلِ مَنِ اسْتَصْحَبَ فِي جِهَتِهِ فِكْرَةَ سُوءٍ، أَوْ فِي أَمْرِ زَوْجَاتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ رَحْمَتُهُ وَرِضْوَانُهُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَمِنَ الْأُمَّةِ الدُّعَاءُ وَالتَّعْظِيمُ لِأَمْرِهِ".

كما وعد - سبحانه – بغُفران ما تقدَّم من ذنبه –صلى الله عليه وسلم- وما تأخَّر، كما وعده بنصره بفضل منه سبحانه وما أعظمه من نصر؛ فقال تعالى: " { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا }" [الفتح: 2، 3].

إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومما يدلُّ أيضًا على عُلوّ منزلته واصطفائه على بقية خلقه أن جعل الله –عز وجل- له الوسيلة، وهي منزلة عالية في الجنَّة؛ فقد أخرج مسلمٌ في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ». 

وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ تِلْكَ الْمَنْزِلَةُ مِنَ الْجَنَّةِ بِهَا: لِأَنَّ الْوَاصِلَ إِلَيْهَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَائِزًا بِلِقَائِهِ، مَخْصُوصًا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الدَّرَجَاتِ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ. (مرقاة المفاتيح: 2/ 559).
فهو مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ ... وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ
إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ  ... وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليُجلَّهُ
              فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ

وصلِّ اللَّهُمّ وسَلِّم وَزِد وبارِك على الحبيبِ المُصطفى وعلى آله وأصحابه الطيِّبين الطاهرين ومَن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
الجريدة الرسمية