رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة.. على النفس

18 حجم الخط

تقوم الثورات في مختلف دول العالم على الأنظمة المستبدة تنتفض من خلالها الشعوب نتيجة لما عاشته من ظلم وقهر وتردى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تقوم بالثورات الشعوب وتعانى البلاد التي تقوم بها الثورات بدون قائد أو زعيم لها من التخبط وضياع وحدة الصف في وقت أهم ما فيه هو وحدة الصف من أجل عبور المراحل الانتقالية التي تحدث بعد الثورات مما يجعل هذه البلدان عرضه لتقلبات سياسية واقتصادية وأمنية وفريسة سهلة لكل من يريد العبث في مقدرات الوطن سواء من أعداء الداخل وهم المستفيدون من الأنظمة السابقة أو من أعداء خارجية تنتظر أي فرصة للهجوم على هذه الدول وهذه الحالة قريبة جدا من الثورة المصرية التي ما زالت ثورتها جنينا لم يكتمل نموه وتأخذ الثورات فترة زمنية ليست بالقصيرة حتى تستقر الأوضاع وتفرز نظما سياسية واقتصادية واضحة تحقق أهداف الثورة.

أو تقوم الثورات من خلال مؤسسات داخلية تسعى لتصحيح مسار الدولة ترى أنها ضلت الطريق وانتشر الفساد ووجب التغيير فتقوم بانقلاب على أنظمتها الحاكمة ومن بعدها تنصب نفسها حاكما رغبة منها في التغيير ولكن هذه الأنظمة تنسى أو تتناسى ويأخذها غرور ووهج السلطة وتغفل أنها دخلت ساحة لم تعد للقتال بالأسلحة ولا يمكن أن تدار بخطط عسكرية أرضا لا تعلم طبيعتها أو مشاكلها أو حتى طرق التعامل فيها ما يخلق صراعات بعد الثورات بدلا من نجاحات وتغييرات حلم بها الجميع حتى من تناسو أن الشعوب هي صاحبة الحق في حكم نفسها بنفسها وأن أي ثورة لا تحقق حرية الشعوب وتنصب دكتاتورا بدلا من آخر لا تعد ثورة بل "بلوى" وهى أيضا قريبة من ثورة يوليو التي حققت نتائج على الصعيد الاقتصادى وفى العدالة الاجتماعية والتي أيضا تسببت في نشأة نظام عسكري استبدادي عانينا منه فترة طويلة ومازالت أثاره موجودة في الوطن.

وهناك نوع ثالث من الثورات يقوم بها جماعة استخدموا الدين كعنوان لثورتهم استقطبوا قلوب وعقول الناس لما نعلم جميعا بما في الدين من هدى وطريق يخرج أي أمة من ظلام الجهل والتخلف والتأخر إلى الريادة والتقدم ولكنهم تبنوا أفكارا ونهجا لا يدعو إليها أي دين وتناسوا كثيرا من أسس ومبادئ عنوان ثورتهم التي استقطبوا به الناس وحققوا به نجاح ثورتهم وهذ النموذج يعد الأسوأ في نماذج الثورات والحمد لله الذي أبعد عنا هذا النموذج وتعد التجربة الأفغانية والإيرانية الأقرب لهذا النموذج.
هذه طرق مختلفة تمر بها الثورات في مختلف دول العالم فأتساءل هل نحتاج أن نمر بمراحل ما بعد الثورات بما فيها من تبعات وتغيرات ونذوق من نفس الكأس الذي ذقته شعوب ثارت من قبل هل الحل الوحيد هو أن ننتظر الحاكم أو الحكومة "الحلم" التي يتخيل معظم الناس أنهم يجب أن يملكوا "عصاية سحرية" بلمسة تغير الأوضاع وتنقلنا من حال إلى حال أم نحتاج لثورة حقيقية ثورة داخل كل إنسان ثورة على النفس ثورة على حب الذات ثورة لرجوع القيم والمبادئ ثورة يقوم بها كل فرد على نفسه يلمس ثمارها على نفسه وبين أسرته ومجتمعه "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وهذ لا يعنى عدم وقوع المسئولية على من يملكون القرار في أخذ البلاد إلى الطريق الصحيح ولكن بالثورة على النفس لن يتقدم إلى كرسى المسئولية إلا كل من يقدر حجم المسئولية وآمال وتطلعات هذا الشعب ويملك المعرفة بالواقع والرؤية والتصور اللازمين لإحداث التغيير المطلوب وسيجد تفاعلا ومعاونة من الناس هكذا يجب أن تقوم الثورات بثورة على نظام يصحبها ثورة على النفس... عاشت مصر حرة عظيمة رائد وحمى الله شعبها من كل سوء.

الجريدة الرسمية