رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

يوليو.. ملائكة وشياطين

"خلال ١٥٠ عاما من تاريخ مصر [١٨٠٥-١٩٥٢] حكم الباشوات بلادنا، وملكوا كل شيء فيها: السياسة والجاه وصدارة المجتمع والقصور والأموال والضياع، وفي يوليو ١٩٥٢م انتزعت الثورة السياسة وصدارة المجتمع، ولكن من الذي استولى على القصور والأموال والضياع؟ السوبر باشوات! باشوات بلا ألقاب، وأشراف بلا شرف، وناس بلا إنسانية، ومواطنون بلا وطنية !!


تلك هي المقدمة التي وضعها الدكتور حسين مؤنس في بداية كل فصل من فصول كتابه "باشوات وسوبر باشوات"، محاكما ثوار يوليو وما فعلوه من أجل مصر، وما فعلوه فيها من نكبات وانتكاسات ومصائب، وقبل أن يحاكم الدكتور حسين مؤنس طفيليات ثورة يوليو..

 

حاكم عصر الباشوات الذي استمر في مصر لقرابة الـ ١٥٠ عاما، بكل ما كان يحمله من عفن واستغلال وانتهازية، وكشف طريقة الوصول إلى هذا العالم الغامض بالرشوة والوساطة والمحسوبية، وكيف نجح متسللون في الوصول إلى هذا العالم من أجل القفز إلى صدارة المجتمع..

 

وفرق الدكتور حسين مؤنس بين باشوات قدموا لمصر الجليل والكثير، وبين طبقة المنتفعين التي استفادت من فساد القصر وصولا إلى النهب العام، وحسم أمر الإقطاع في بلادنا، بأنه لم يكن موجودا من الأساس..

 

فالباشوات لم يملكوا الفلاحين أبدا، ولم يحصلوا إلا على ما أراد الفلاح أن يمنحه لهم بدهائه الموروث، وأمام محاولات البعض تصوير مصر فيما قبل ١٩٥٢ بأنها كانت واحة فيحاء تزخر بالحرية، ويغرق أهلها في النعم، وأن ثورة يوليو كانت كارثة على البلاد، فنحن بحاجة إلى كشف المستور الذي كشفت وثائق بريطانية بعضا منه، وتناوله الدكتور حسين مؤنس في كتابه العميق "باشوات وسوبر باشوات".


لم تكن ثورة يوليو خيرا محضا ولم تكن شرا محضا، كانت عملا إنسانيا استغله لصوص نجحوا في حصار عبد الناصر وتخويفه من الشعب، وصناعة مؤامرات وهمية دفعته إلى غض الطرف عن أهم قضايا الوطن وهي الحرية.


صادر الثوار ومن معهم من الاستغلاليين ثروات عصر الباشوات، وهربوها وانفردوا بالشعب ومارسوا كل صنوف التعذيب، ووأدوا الحريات، وصادروا السياسة وقضوا على التجربة الحزبية، ورغم وعودهم بإقامة حياة ديمقراطية سليمة إلا أنهم أقاموا السجون والسلخانات وعذبوا المعارضين والطيبين، وأوهموا عبد الناصر بأن الكل يتآمر عليه.


ثورة يوليو العظيمة بحاجة إلى محاكمة حقيقية، تفرز الغث من السمين، وتضع الحقائق أمام الأجيال الجديدة، لتعرف تاريخ بلادها ، وتدرك إنجازات عظيمة كان على رأسها رحيل المحتل الإنجليزي عن البلاد بفضل الثورة..

 

وأن مغامرات عسكر الثورة أهدرت ثروات البلاد في معارك وهمية، وأن الصوت الواحد والحاكم الأوحد سار بنا إلى كارثة 5 يونيو التي لا نزال ندفع ثمنها باهظا، حيث قتل أبناؤنا في اليمن، وحاربنا في الكونغو، وأهدرنا المال والدم الزكى على أراض غريبة..

 

وضاع حلم الثورة بعد الغدر بالرئيس الأول محمد نجيب، الذي أراد للجيش أن يعود إلى ثكناته وتسليم البلاد إلى الشعب، ممثلا في أحزاب وتجربة حزبية جديدة تليق بعظمة ثورة يوليو، أما الذين يريدون لنا أن نراها بعين التقديس فهم واهمون، والذين يريدون لنا أن نراها بعين الشيطان فهم أيضا غارقون في الوهم،..

 

يوليو كانت ثورة عظيمة ارتكب أبطالها جرائم ضد الإنسانية رغم إنجازاتهم، وسرقوا ونهبوا وعذبوا، كان من بينهم الوطنيون، واندس بينهم اللصوص والاستغلاليون، وانفردوا بكل مقدرات الأمة فكان ما كان.


نحن بحاجة إلى رؤية شاملة تضع الأمور في نصابها، من أجل الأجيال الجديدة التي فقدت البوصلة بين رؤيتين مجحفتين فالإنسان هو الإنسان، يترنح بين هابيل الضحية وقابيل القاتل.. آدم مرتكب ذنب الأكل من الشجرة وآدم المستغفر والمقبول توبته.


وبعيدا عن ظاهرة الصوت العالى، وعصبية التناول يصبح لزاما علينا، أن ننقذ أبناءنا من هذه الثنائية المريضة، فالحياة تقع بين كل الألوان من الأبيض إلى الأسود، وليست اختزالا بين لونين وحيدين.

Advertisements
الجريدة الرسمية