رئيس التحرير
عصام كامل

خطايا منظمة الصحة العالمية الإثيوبية!

ثقة المريض بالطبيب هي واحدة من أهم الأسس التي تقوم عليها مهنة الطب وأخلاقيّاتها. ولكن ما الذي يحدث عندما يكون العالم كله مريضا ويواجه وباء مثلما نواجه اليوم فيروس "كورونا"؟ بمن نضع ثقتنا عندما تكون الأزمة أكبر من الطبيب والمستشفى، أكبر من نقابة الأطباء ووزارة الصحة بل وأكبر من الدولة كلها؟

هل نستطيع أن نثق اليوم بأن العالم بيد طبية علمية أمينة؟ الإجابة، كالمتوقع، لا. ويبدو أن وجهة النظر التي تقول إن الجميع لا يعرفون شيئاً عن فيروس «كوفيد-19» هي الأقرب للصواب، والمقصود بالجميع هنا تحديدا جميع من يعمل في منظمة الصحة العالمية، فهي بالفعل أربكت دول العالم وحكوماتها، بل أربكت جميع شعوب الأرض، بتناقضاتها، ودراساتها المتضادة، منذ بداية ظهور الفيروس إلى يومنا الحالي .

ولا يمكن التطرق إلى الحالة التي نواجهها اليوم دون النظر إلى فشل منظّمة الصحة العالمية الذريع في مواجهة وباء "إيبولا" عام 2014. إذ تسببت الاستجابة البطيئة لمنظّمة الصحة والتأخر في إعلان الوباء بموت الآلاف ممن كان يمكن حمايتهم، بمنع تعرضهم للوباء أو علاجهم. فقد تجاوزت المنظّمة هذا الفشل الكارثي "دون أن يفصل أي مسؤول، دون أدنى محاسبة".

 

إعلام يليق بمصر


وقد لاحظ أحد العلماء اليابانيين أن منظمة الصحة العالمية كانت تردد البيانات الصينية في بداية الجائحة حتي أن رئيس وزراء اليابان أطلق عليها "منظمة الصحة الصينية". وفي ديسمبر 2019 وضع على الرف تحذيراً ورده من الحكومة التايوانية حول احتمال تفشي وباء خطير في إقليم ووهان الصيني، بحجة أن تايوان ليست عضواً في المنظمة ومعادية للصين!

وهكذا فمنذ البداية تأخرت منظمة الصحة العالمية في الإعلان عن أن مرض «كوفيد-19» قد تطور وأصبح جائحة حتى 11 مارس الماضي، بل إنها أعلنت عنه بوصفه «حالة طوارئ صحية ذات بعد دولي»، وذلك عقب ظهوره وتفشيه في الصين، ومن ثم انتقاله إلى العديد من الدول في العالم. ورغم هذا الإعلان، فقد شددت المنظمة الدولية على أن هذا الإعلان لا يستدعي المبالغة في رد الفعل!

ولعل من أهم التناقضات المثيرة للسخرية أن هذه المنظمة أصرت طوال أشهر على عدم جدوى استخدام الكمامة من قبل الأصحاء، مؤكدة أن الفيروس لا ينتقل عبر الهواء وإنما ينقله رذاذ المصاب فقط.. حتى ثبت خطأ ذلك وبينت دراسات أمريكية أُعلن عنها في شهر أبريل أن الفيروس يبقى عالقا في الهواء لعدة ساعات، فما كان من المنظمة إلا أن طالبت كل سكان الكوكب باستخدام الكمامات بعد ٥ أشهر من ظهور الفيروس!

 

 مقتل الثلث ليعيش الثلثين


وكذلك أعلنت أن الفيروس لا ينتقل عبر ملامسة الأسطح.. هكذا فجأة بعد أشهر من تحذيرها اليومي من انتقاله عبر الأسطح وبيع مئات الملايين من عبوات المعقمات و«القفازات» التي تنتجها المصانع الصينية لمختلف دول العالم!
ولا ينسي البيت الابيض اعتراض مدير منظمة الصحة على قرار ترامب الصحيح بفرض قيود على السفر إلى الصين، مدعيا أنه "سيكون له تأثير علي زيادة الخوف، للحصول علي القليل من الفوائد الصحية العامة" - وهو تناقض صارخ مع تصريحاته التي تحترم رد فعل مشابه للصين. في منتصف يناير الماضي، بأنه "لا يوجد دليل واضح على انتقال فيروس كورونا عبر البشر من شخص لآخر"..

وكان مدير المنظمة قد عارض زملاءه في منظمة الصحة العالمية، وأخر إعلان حالة الطوارئ العالمية للصحة العامة، وهو ما كلف العالم وقتا ثمينا في الاستعداد للتصدي للوباء. ولكل هذا أعلن الرئيس ترمب أنه سيوقف التمويل لمنظمة الصحة العالمية في انتظار إجراء تحقيق في تعامل الوكالة مع وباء فيروس كورونا. وقد استند البيت الأبيض في قراره إلى سلسلة من التصريحات المضللة التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية..

 وكذلك إلى المديح المثير من قبل المدير العام تيدروس أدهانوم غيبريسوس للحكومة الصينية، (فليس من قبيل الصدفة، أن الصين كانت تدعمه لقيادة المنظمة في عام 2017م) وبعد ذلك تأتي قضية تمويل المنظمة في ظل ان 17‎%‎ فقط من ميزانية المنظمة من المساهمات الإجباريّة للدول الأعضاء، أما 80% من الميزانية فهي المساهمات الطوعية غير الثابتة من الدول ورؤوس الأموال.

 

 المعارضة الرشيدة المطلوبة


وأكثر من 96% من مجمل المساهمات الطوعية للمنظمة مخصصة لمشاريع عينية يحددها المساهِم. ومن المعلوم أن الولايات المتحدة هي الممول الأكبر للمنظّمة (15% من الميزانية لعام 2019) ما كان يجعلها أكثر الدول سيطرة – هذه السيطرة المالية باتت تعطي المتبرعين آليات رقابة وتحكم شديدة جدا بتوجيه الأموال.

 

وهو ما يحول القرار من قرار مهني طبي طويل الأمد، إلى قرارٍ سياسي يتخذه موظّفو الحكومات أو صناديق الأثرياء. وليست الدول وحدها التي تسعى إلى تحديد السياسات، إنما تخضع المنظّمة أيضا إلى سيطرة رؤوس الأموال، خاصة من خلال منظومة جديدة طّورتها المنظّمة مختصة بإدارة العلاقات مع منظّمات رؤوس الأموال.

إذ نرى منظمات مثل صندوق غيتس تمول 10% من ميزانية المنظمة، وشركة أخرى أسسها بيل غيتس هي "التحالف العالمي للقاحات والتحصين تمول 9%. ومجموع مساهمات المنظمتين الخاصتين أكبر من مساهمات بريطانيا، ألمانيا، واليابان – الدول الأكثر مساهمةً بعد الولايات المتحدة- مجتمعة.


الجريدة الرسمية