رئيس التحرير
عصام كامل

المعارضة الرشيدة المطلوبة


بعد ثورة يوليو52 كان المصريون يرون أن "الناصرية" بالنسبة لهم هي "نهاية العالم"، مثلما اعتبر (فوكوياما) في انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتصار الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الباردة، هي نهاية التاريخ، وبعد هزيمة يونيو عام 1967 انتهت ثقة المصريين في "اليقين السياسي"، وكتب توفيق الحكيم "عودة الوعي" عام 1972 أي بعد وفاة الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر.


وبالمثل.. بعد سبتمبر عام 2001، دفن تحت أنقاض برجي التجارة المدمرين، "يقين" الأمريكيين والأوربيين بـ"الدولة السوبر"، ووضع الفرنسي (إيمانويل تود) كتابه "ما بعد الإمبراطورية" عام 2004 وكتب الألماني (لوثر كامب) عن "حفلة الدولار انتهت" عام 2005، بعد الانهيار المطرد للجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق، والمعني أن الأحكام المطلقة على الأحداث غالبا ما تسكر الشعوب وترفع من قيمة الفواتير السياسية طال الزمن أو قصر..

ولهذا كان وجود المعارضة الرشيدة الوطنية هو الكابح للتطرف السياسي، ولو كان لدى ألمانيا النازية معارضة رشيدة ما وقعت الحرب العالمية، ولو كان لدى "صدام" معارضة وطنية ما تم تدمير العراق، ولو كان لدى "القذافي" معارضة رشيدة ما كان حدث هذا الخراب في ليبيا، والأمثلة كثيرة والمعنى أن وجود المعارضة الرشيدة ضرورة، إذ لا يمكن أن يستوي الحكم إلا بها، فالنظام ليس بالسوء الذي يصوره إعلام خصومه، وبعض خصوم النظام ليسوا بالسوء الذي يصوره إعلام الدولة، ذلك لأن الاستقطاب الحاد محنة ونقمة على أصحابه وعلي البلد معهم.

الاعتدال نعمة في الفكر وفي السلوك سواء في الحكم أو في المعارضة.. محتاجين نتوقف مع أنفسنا، نحاسبها ونراجعها ونصوب مسارها، في الوقت المناسب، وبالقدر الكافي من الصدق والجدية، قبل أن نستهلك طاقتنا في الشقاق والخصام بشكل جدي وحقيقي وليس كما فعل البرلمان مؤخرا، فهو نفسه البرلمان الذي أقر كل خطط وبرامج الحكومة، وأشاد بها في كل مناسبة حينما كانت الإشادة مطلوبة، وسكت عن انتقادها لأربع سنوات حينما ضج الشعب من بعض تداعياتها، بل ووقف بالمرصاد أمام الجهود الفردية لبعض النواب المخلصين الذين حاولوا القيام بدورهم الدستوري في المتابعة والمساءلة.

انتقاد الحكومة ضروري، ويجب أن يقوم به البرلمان والإعلام والأحزاب، ولكن في إطار مناخ سياسي مفتوح وليس بتوجيهات تصدر لنواب متقاعسين منذ أربع سنوات عن أداء دورهم. والنقاش يجب أن يكون جديا ومستندا لمعلومات سليمة ومقدرا للموارد المتاحة ومقدما لسياساتً وحلول بديلة.

الهدف هو تصحيح السياسات المعيبة وليس مجرد التنفيس عن الغضب وإهانة المسؤولين وفتح باب الابتزاز والتهديد. لأن المعارضة المزيفة أو الكاذبة تمثل خصمًا من رصيد المجتمع، فهى بمثابة جلطة في شرايين الوطن ويتصور بعض مثقفي مقاهي وسط البلد أن الأمة المصرية منحتهم توكيلا للحديث نيابة عنها وقد رضوا بجهلهم، وتحولت شلة "مثقفي المقهى" الفارغين، إلى نوع من العربدة وسلاطة اللسان وسوء الأدب، والتعدي الفج الغوغائي -دون أدنى خلق أو لياقة- على مشاعر الرأي العام وشعائره ومعتنقاته، وهو عمل إجرامي تؤثمه كل الدساتير..

وفِي نفس الوقت إنكار معاناة الناس والتركيز فقط على ذكر الانجازات.. يزيد الغضب ويوسع دائرة عدم المصداقية. وتشويه أي شخص ينتقد أي سلبيات واتهامه أنه عميل أو إخوان سواء من فئة الأوصياء أو من بعض المحامين برفع قضايا لمجرد كتابة بوست أو ابداء رأي، يغلق كل المنافذ للتعبير عن الرأي وتداول السلطة. وهذا خطر نهايته معروفة طالت أم قصرت.
الجريدة الرسمية