رئيس التحرير
عصام كامل

«نيولوك» لسياسات قطر مع «تميم».. هندرسون: أخو ولي العهد الأكبر فقد الولاية بسبب مستشاريه الفلسطينيين.. مصر وسوريا تتأثران بتغييرات العرش في الدوحة.. أمراء السعودية صخرة في طريق طمو

سايمون هندرسون
سايمون هندرسون

"قطر تلك الدولة الصغيرة في الخليج الفارسي التي يصل عدد سكانها لمليوني نسمة، ترمي بكل ثقلها في مصر وسوريا"، بهذه الكلمات وصف مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن "سايمون هندرسون"، ما تشهده المنطقة العربية في إطار تحليل سياسي له نشر بالمعهد بعنوان "تغيير النظام في قطر".


وقال "هندرسون" إن قطر تغدق المال والسلاح في سوريا على جماعات الميليشيات المناهضة للأسد وتتنافس مع السعودية على لقب الراعية الرئيسية للمعارضة، كما أنها أكبر ممول حتى الآن لحكومة الرئيس المصري محمد مرسي، حيث وفرت أكثر من 5 مليارات دولار في شكل قروض- من دون شروط للقيام بإصلاحات كتلك التي طالب بها "صندوق النقد الدولي".

وتساءل "هندرسون" عن سبب انخراط قطر لهذا الحد في مصر وسوريا، مؤكدًا أنه في ظل غياب الولايات المتحدة، تتصور قطر وجود فراغ وهي فرصة جديدة لتعزيز مكانتها الدولية.

وأضاف "هندرسون" أن سياسة قطر كانت تقوم على نزوات الأمير حمد بن خليفة آل ثان والشيخ حمد بن جاسم آل ثان- الذي يشغل حاليًا منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية- وتمخض عن السيطرة الشخصية للزعيمين حسمًا يفتقر إليه حلفاؤهم من الدول الأكبر حجمًا.

وقال: "في زيارة قمت بها للعاصمة القطرية الدوحة أثناء التدخل الدولي في ليبيا مارس 2011، ضحك أحد أصدقائي القطريين عندما أراني رسمًا كاريكاتوريًا نُشر في صحيفة (الإندبندنت) اللندنية، يُصور طائرة مقاتلة في داخلها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي وهما يتناحران من أجل السيطرة عليها، بينما يغفو الرئيس الأمريكي باراك أوباما في المقعد الخلفي يسيطر على الأوضاع من الخلف، ويركب أمير قطر أنف الطائرة، رافعًا إصبعه لمعرفة الطريقة التي كانت تهب فيها الريح).

وأوضح: "وكان الوصف المكتوب على الكاريكاتير الذي لا يمكن الإفلات من التورط بعواقبه في الولايات المتحدة هو طائرة التناحر النفاثة".

وأشار "هندرسون" إلى أن الفريق الذي أشرف على نمو قطر وتحولها إلى قوة إقليمية يخضع لعملية تغيير، وقال: "فقد ذكر دبلوماسيون عرب وغربيون قبل أيام أن الأمير حمد (61 عامًا)، سوف يستبدل قريبًا رئيس الوزراء بنجله ولي العهد تميم البالغ من العمر 33 عامًا، ثم يتخلى نفسه عن سلطته لصالح تميم، حيث أثارت الأخبار حالة من الدهشة في عواصم العالم الكبرى وبين جيران قطر، وتحديدًا أن تنصيب قائد مبتدئ في وقت تسود فيه التوترات والتقلبات الكبيرة يبدو أمرًا محفوفًا بالكثير من المخاطر.

وعن سبب التغيير الآن، يذكر "هندرسون" في تحليله أن أحد الأسباب أن صحة الأمير "حمد" أخذت منحنى نحو الأسوأ، ويُقال إن لديه كُلى واحدة فقط تقوم بوظيفتها، رغم أنه من غير المعروف إذا ما كانت تلك الكلى تخصه أم أنه حصل عليها من خلال عملية لزرع الكلى في عام 1997.

ونادرًا ما تسير عمليات الانتقال بسلاسة في قطر- حسبما قال هندرسون- فقد استولى الأمير حمد بنفسه على السلطة من والده في عام 1995، بينما كان الأخير في منتجع صحي في سويسرا، مشيرًا إلى أنه من الصعب التعرف على عملية تغيير للسلطة خالية من الاضطرابات خلال المائة عام الأخيرة، وعلى مدى تلك السنوات حدثت ثماني عمليات انتقال كهذه تقريبًا، وجميعها قائم على موضوع التخلي القسري عن السلطة، وكان نتيجة تلك التغييرات قيام تاريخ من العداوات بين الأسر داخل عشيرة آل ثان، التي تصل أعدادها إلى عدة آلاف على الأقل.

وأكد "هندرسون" أن قطر ليست دولة ديمقراطية، فعائلة آل ثان هي الدائرة السياسية الفعلية الوحيدة في البلاد، وتعرضت وحدة العشائر والقبائل للضغط منذ خلع الأمير حمد لوالده - كما أن ارتقاء الوالد إلى السلطة عام 1972 أدى إلى إزعاج بعض فروع العائلة حيث اُعتبر أنه اختطف المنصب من أحد منافسيه بسبب براعته المتفوقة في المناورة.

وقال مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن "يقال إن أفراد العائلة- آل ثان- يحملون ضغائن ولديهم ذكريات بعيدة، وسوف يجد تميم نفسه مرغمًا على الإبحار في هذا المستنقع بينما يقوم العديد من السياسيين المخضرمين بمراقبة أداء الأمير الشاب عن كثب".

وأشار هندرسون "أخبرني سفير سابق في الدوحة عن أبناء الأمير-حمد- الاثنين الأكبر سنًا بأن "أحدهما يرتاد الحفلات كثيرًا، وآخر يصلي كثيرًا"، وعندما سألت السفير نفسه ما الذي حدث لجاسم الأخ الأكبر لتميم، أي الابن الأكبر الثالث الذي خسر لقب ولي العهد عام 2003، أجاب: "آه، إنه يستمع إلى مستشاريه الفلسطينيين كثيرًا".

وذكر "هندرسون" في تحليله السياسي: "يبدو أن تميم تمكن من تجنب جميع تلك العثرات ليصبح وريث العرش المطلق، وقد تلقى تدريبه في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية في بريطانيا، ويُعرف عنه الجد والاجتهاد لكن يبدو أن ميزته الكبرى هي أنه المفضل لدى الشيخة موزة، الزوجة الثانية والأكثر تأثيرًا للأمير حمد".

وشدد هندرسون على أنه لم يتضح بعد النتيجة الفعلية لهذا التغيير السياسي للحرس، وما إذا كان الأمير حمد سيمكث في الدوحة، فذلك الأمر يقوض من سلطة تميم من الناحية الفعلية، حيث كان والد الأمير حمد يعيش سنوات في المنفى، إلى أن خبت جذوة استيائه من الإطاحة به من الحكم، وقد عاد الوالد المُسن الآن إلى قطر، دون أن يمثل أية أهمية سياسية.

وعن رئيس الوزراء ووزير الخارجية، الشيخ حمد بن جاسم آل ثان قال هندرسون: "في احتفال أقامه "معهد بروكينغز" في إبريل، قُدمت للشيخ حمد لوحة تذكارية ضخمة، وانهال عليه كبار مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية بالمديح واعتبروه شخصية لا يمكن الاستغناء عنه أساسًا، موضحًا أنه لم تظهر بعد أسماء حول من يشغل منصب رئيس الوزراء بدلًا منه، حيث يبقى الشيخ حمد مسئولًا عن محفظة "جهاز قطر للاستثمار" البالغة نحو 200 مليار دولار، لكنه قد يقرر كذلك الإقامة في لندن، حيث يوجد برج "شارد"، الذي هو أعلى وأحدث مبنى في العاصمة البريطانية، وتملكه قطر.

وأكد هندرسون أنه بعد انتقال السلطة، يكون تميم مسئولًا عن توجيه تدخل قطر في سوريا ضد نظام الرئيس بشار الأسد، إلى جانب الحفاظ على نفوذ قطر عبر العالم العربي، وفي ظل الإيرادات التي تحصل عليها بلاده كثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم، فلن ينقصه المال، مشيرًا إلى أنه يستطيع شراء المشورة والمساعدة، وهو ما تفننت فيه قطر في الماضي، وأن نحو 1.7 مليون شخص من المقيمين في قطر، أي الأغلبية الشاسعة من السكان، ليسوا من المواطنين وإنما عمالة مستأجرة.

وتساءل هندرسون عن مواصلة قطر- بعد تولي تميم- دعمها المالي الأكبر لجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، ومدى استمراره في دعم المقاتلين الجهاديين- الذين هم على الأرجح الأكثر تطرفًا في سوريا- لكنهم الأكثر فاعلية ومدى سعى إيران- التي تقع على بعد 100 ميل إلى الشمال والتي تشاركها قطر في حقل الغاز الطبيعي الأكبر في العالم- إلى الانتقام نتيجة الخسائر المتكبدة في سوريا عن طريق تحدي هذا السياسي المبتدئ - تميم- وقد اعتاد ولي العهد السعودي الراحل سلطان أن يشير إلى الأمير حمد بازدراء على أنه "فارسي" نظرًا لسلالة آل ثان التي كان يسود اعتقاد بأنها سلالة غير نقية.

وأكد هندرسون أن الأمير تميم بن حمد آل ثان، يظهر على الساحة قريبًا، والمشاكسات داخل عائلته قد تمثل تحديًا باعثًا على الإحباط مثلها مثل الاضطرابات الدائرة في الشرق الأوسط، قائلًا: "لقد كانت قطر على مدى سنوات تسعى لدور أكبر من حجمها وتلاكم من هو أقوى منها.. والآن ربما حان الوقت ليحاول أحدهم رد تلك اللكمات".
الجريدة الرسمية