رئيس التحرير
عصام كامل

ريح إيران وريح تركيا

18 حجم الخط

إذا استخدمنا مصطلحات «الربيع العربي»، أمكن القول إن تركيا أنجزت مهمة «الحرية»، في 2002 مع وصول «حزب العدالة والتنمية» إلى السلطة. منذاك وهي تخوض معركة الانتقال المديد والمعقد إلى «الديموقراطية»، وما الانتفاضة التي تشهدها اليوم بقيادة الطبقة الوسطى المدينية وشبانها، سوى محاولة شجاعة لتقصير ذاك الانتقال وتصويبه، ذاك أن الحزب الإسلامي الحاكم الذي قاد عملية إزاحة العسكر أبدى قصورًا ملحوظًا فيما خص التحول الديمقراطي، بسلطانية زعيمه أردوغان وعجزه عن الفصل بين العام والخاص كما بين الديمقراطي والأكثري. ولما استقر حزب العدالة والتنمية طويلًا في السلطة، بات تناقضه مع الانتقال إلى الديمقراطية عبئًا مضاعفًا على الانتقال المذكور.


في المقابل، كانت الثورة الإيرانية في 1979 أدلجةً وتمتينًا للاستبداد العادي الذي سبق أن مارسه الشاه البهلوي، وفيما خص مسألة المواطنة والمجتمع السياسي وحقوق النساء وحرية الاعتقاد والإبداع والإصلاحات الزراعية، وسّعت سلطة الخميني المسافة التي كانت تفصل إيران عن الحرية، وتاليًا عن الديمقراطية.

في هذا المعنى، هبت الريح الإيرانية على العالم العربي حاملةً فيها الكثير من الوحل، فالوعي الطائفي والملي وجد له صحوة جديدة في صحوتها، والانزياح من الاجتماعي إلى الديني قفز قفزة بعيدة إلى الأمام. وبدورنا استقبلنا، في العالم العربي، ذاك الوحل بكثير من الترحاب، سيما أن الصراع مع الغرب وإسرائيل بات يتولى في طهران تلك المهمة الرجعية التي نُجيدها نحن العرب، أي تحويل الأنظار عن كل شيء آخر حي أو راهن.

أما الريح التركية فتسمح، من حيث المبدأ بشيء من التفاؤل العربي. ذاك أن معركة الانتقال التركي من الحرية إلى الديمقراطية توسع في حال تأثر بها العرب، الفرصة المتاحة لـ «الربيع العربي»، وهذا ما يسد الطريق على محاولات تقديم ذاك «الربيع» مجرد فوضى عمياء مشوبة بعدد من الإخفاقات والتعثرات وبعلامات تشنج ديني مؤكد، فإن تنتقل تركيا من الحرية التي أنجزتها إلى الديمقراطية التي تصنعها كفيل بأن يساعد العرب من حيث المبدأ على إنجاز خطوة مماثلة. والاحتفال بأردوغان بوصفه تقدميًا في مرحلة نيل الحرية ثم الانقضاض عليه بوصفه رجعيًا في مرحلة طلب الديمقراطية، يحض على تحمل النتائج السلبية لـ «الربيع العربي»، وهي كثيرة جدًا، في انتظار أن تنفتح الطريق التي قد تؤدي إلى تجاوزها.

صحيحٌ أن الضعف الذي ينزل بالأردوغانية اليوم يفيد النظام السوري وحلفاؤه، إلا أن هذه نتيجة عَرَضية بالقياس إلى إنجاز التحول الديمقراطي في تركيا وإشعاعاته على جواره العربي. وفي آخر المطاف، فإن تركيا أكثر ديمقراطية وتقدمية لن يكون العسكر حاكمها كما لن تحكمها الأحقاد الملية والمذهبية التي يعول عليها أنصار النظام السوري. لا بل يجوز الرهان على أن تركيا أكثر تقدمية وديمقراطية يصعب أن تتعايش مع نظام كابوسي في جوارها الجنوبي... وهذا من غير أن ننسى أن ذاك البلد، بغض النظر عما ستؤول إليه انتفاضته، سيبقى بلدًا عضوًا في الناتو وساعيًا إلى الاندماج في المجموعة الأوربية!
نقلا عن الحياة اللندنية
الجريدة الرسمية