رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الحياة بالخصم !

كل واحد منا عائش حياته بالخصم، ولا يوجد عاقل حكيم من يحسب أن الحياة كلها بالزائد وبالإضافة.. ذلك سيكون في الجنة.. تمام التمام وكمال الكمال ورضا الرضا.. حيث لا خوف ولا موت ولا مرض ولا ظنون ولا نسوة أرضية!

 

وأظن، باعتبارى من الأرضيين حتى اليوم، وبالتالي من حقي أن أظن، بل لا أملك إلا الظن، أن هذه المظنة ترسخت عميقا لدى كل آدمى على وجه الكوكب مذ سلط الله علينا فيروس كورونا لننحسر ونتقلص ونتواضع وننزل لحجمنا الحقيقي.. مخلوق جبان رعديد ظالم متجبر متقلب طماع.. وفي كبد.

 

بناقص الخروج. بناقص اللبس. بناقص الضحكة. بناقص الحياة. الفلوس تتناقص. والشجون تتزايد. كل ماهو سالب يتوجب. وكل ماهو إيجابي صار إلى سالب. ومع قرار الحكومة بخصم واحد في المائة من المرتبات لمدة سنة.. وخمسة من عشرة % للمعاشات فوق الألفي جنيه، انتبه المواطنون أنهم في الناقص. لما كانت العيشة رغم وطأة الكورونا أكلة ومرعة وقلة صنعة.. لم ينتبهوا.

 

اقرأ أيضا: الحب والهوان في مسلسلات رمضان

 

كانت الحكومة.. بل الدولة علي وجه أدق، هي ماما وهي بابا طيلة الأشهر الأربعة الماضية. مرتبات تصرف وموظفون وموظفات في البيوت.. وجداول عمل مخففة جهدا ووقتا.. واليوم يزعلون لأن واحدا في المائة سيخصم.

 

ألا تعقلون؟ كل شيء ذاهب الى كورونا.. والأعداد المتزايدة تسقط النظام الصحى بلا هوادة.. والجهل والغشامة والغشاوة عملات رائجة. لم أكره في حياتى جاهلا غشيما قدر ما أراه اليوم مجرما ممسكا بالموت يبثه في خلايانا عبر أنفاسه الغبية ورذاذه المفيروس !

 

لم أكره في حياتي كلمات التواكل السائدة بين العوام وأنصاف المتعلمين، بل ومتعلمين للأسف، كما أكرهها اليوم لأننا جميعا صرنا نرى تكلفتها الحقيقية: موتى ولا جنازات ومدافن ولا معزون.. وأحباب يمتنعون.

 

جاءت الجائحة مكتسحة.. تكتسح الثوابت من العقل وترسخ الثوابت من الجهل. ولم يحدث أبدا أن رأي الانسان أنه في مواجهة يومية مع الموت بأحقر مخلوقات الله.. ثم تخلق بهذا الخلق المستغبي.. وسلك هذا السلوك الغبي! الحياة بالخصم هى ذهاب إلى الحياة بدون خصم. ليس الأمر مجرد أموال تقتطع.. بل أرواح تقتطع. أمرنا الله بالحفاظ عليها.. لكن كثيرين بيننا متواكلون مستنطعون..

 

اقرأ أيضا: المؤامرة المتبادلة والأدلة الغائبة!

 

لن تكون لنا حياة بالإضافة، بالتعمير، بالنماء، بالعطاء، بالعدل، إلا إذا أحببنا الحياة. إن ديننا لا يدعو إلى الموت، ولا يمجد الجمود، ولا يبشر بفناء.. لكننا جعلناه كذلك بأدوات الإرهاب.. والتطرف.. والتسلف.. والتنطع.

 

أحبوا الحياة لكى تحبكم الحياة، فتمنحكم أسرارها، وأحبوا بعضكم بعضا، فتطمئن نفوسكم.. وتصفوا أذهانكم وتخمد خناجركم ورصاصاتكم..

 

إن أحببنا الحياة فقد أحببنا الخالق لهذه الحياة.. وإن أحببنا بعضنا وأحسسنا ببعضنا البعض أحببنا خالق هذه المخلوقات جميعها.

أحببنا الله.. وأحبنا الله ورفع عنه ذلك المس من الضر! ما نحن فيه من جزع هو مس.. مجرد مس.. من الضرر. ليس الضر كله! تأملوا ما نحن فيه.. وادعوه.. بإلحاح.. سيستجيب. سيستجيب.

وتعود الحياة بالزائد وبالإضافة، بلا فقد ولاخصم.. إلا بقدر.

 

Advertisements
الجريدة الرسمية