رئيس التحرير
عصام كامل

"خطاب الخارجية".. خطوة دبلوماسية لفضح إثيوبيا أمام مجلس الأمن.. القاهرة رصدت فيه مراحل "تعنت أديس أبابا".. وموقفها الرسمي من سد النهضة   

سامح شكري .. صورة
سامح شكري .. صورة أرشيفية

منذ ما يقرب من 9 سنوات انطلق قطار المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا بحثًا عن محطة مشتركة تنهي أزمة «سد النهضة» الذي استغلت إثيوبيا انشغال مصر بترتيب أمورها الداخلية بعد ثورة 25 يناير 2011 وجعلته أمرًا واقعًا غير إنه رغم مرور هذه السنوات والمحاولات المستمرة من الجانب المصرى للتأكيد على عدم معارضته التنمية في إثيوبيا إلا أن الفشل كان المحطة الوحيدة التي توقف عندها «قطار المفاوضات».

 

فشل متواصل

القاهرة من جانبها ورغبة منها في كسر سلسلة «الفشل المتواصل» سلكت طريقًا آخر لتصعيد القضية ، وذلك بعد أن غابت إثيوبيا عن جولة المفاوضات الأخيرة التي استضافتها العاصمة الأمريكية واشنطن لحل أزمة سد النهضة بين كل من السودان وإثيوبيا ومصر لمناقشة وتوقيع المسودة الأمريكية الخاصة باتفاقية ملء وتشغيل سد النهضة.

ورفض التوقيع على أي اتفاق مبدئي بعد جولة المفاوضات حيث قررت القاهرة طرق أبواب مجلس الأمن بشكوى تحذر فيها من تداعيات ملء السد الإثيوبي.

مجلس الأمن 

ومنذ أسبوعين كشفت وزارة الخارجية عن توجيهها خطابًا لرئاسة مجلس الأمن وتعميمه على أعضاء المجلس بشأن تطورات قضية سد النهضة ومراحل المفاوضات وما اتخذته مصر من مواقف مرنة ومُتسقة مع قواعد القانون الدولي.

كما أن وزير الخارجية سامح شكري أشار في خطابه لمجلس الأمن إلى أهمية الانخراط الإيجابي من جانب إثيوبيا بهدف تسوية ذلك الملف بشكل متوازن لكافة الأطراف المعنية بالأمر ولضمان استدامة الأمن والاستقرار في المنطقة.

من جانبه أعرب الوزير الإستونى الذي تتولى بلاده رئاسة مجلس الأمن في مايو الحالى عن التطلع للتعاون الوثيق مع مصر في سبيل دعم السلم والأمن الدوليين ، وذلك اتصالًا بالدور الإيجابي الذي تضطلع به مصر في هذا الصدد على المستوى الإقليمي سواء بمنطقة الشرق الأوسط أو أفريقيا ، مُؤكدًا استعداد إستونيا إثارة القضايا ذات الاهتمام المشترك خلال مداولات مجلس الأمن.

تسجيل موقف 

وتعليقًا على توجيه مصر خطابا إلى مجلس الأمن قال السفير رخا أحمد حسن ، مساعد وزير الخارجية الأسبق ، عضو المجلس المصري للعلاقات الخارجية: الفائدة الأساسية من تلك الخطوة تتمثل في تسجيل موقف مصر في وثيقة دولية يمكن أن تحفظ في وثائق الأمم المتحدة ضمن وثائق مجلس الأمن التي تقدمها الدول الأعضاء.

فهي ليست شكوى بالمعنى المقصود كما هو الوارد لدى البعض وليس مطلوبا اتخاذ إجراء بشأنها ، وإنما هي عبارة عن خطاب إحاطة لتسجيل موقف مصر الإيجابي وتجاوبها مع مفاوضات الوساطة ومحاولة التوصل إلى مشروع اتفاق أمريكي كانت إثيوبيا رفضت أن تحضر حتى مناقشته.

الوساطة الأمريكية

وعن مدى فاعلية امتلاك مجلس الأمن آليات تلك الخطوة قال مساعد وزير الخارجية الأسبق: بمجرد إرسال تلك الوثيقة يتم توزيعها على جميع الأعضاء الـ15 سواء الـ 5 الدائمين أو الـ10 غير الدائمين للإحاطة والعلم بالتطورات بحيث تكون وثيقة مكتوبة لديهم يمكنهم الرجوع إليها إذا طلب منهم اتخاذ أي موقف لمراجعة ما قامت به إثيوبيا من محاولة منع استمرار المفاوضات وإبلاغ حكومتهم بذلك.

وحول تداعيات تلك الخطوة على تعزيز الوساطة الأمريكية أو إظهار مدى فشلها أوضح «رخا» أن الوساطة الأمريكية كانت محايدة للغاية نظرًا بأنها لم تمارس أي نوع من الإقناع بما لديها من أدوات وعلاقات وثيقة مع إثيوبيا.

فكما لاحظنا قبل سابق ما قام به وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قبل انعقاد الاجتماع الأخير في واشنطن ولم يأت إلى القاهرة ولم يخرج عنه شيء بشأن الوساطة وإنما قال إن المفاوضات يمكنها أن تتم ، وفوجئنا جميعًا بعدها أن إثيوبيا لم تحضر من الأساس مما جعل الموقف الأمريكي لا يوجد به أي نوع من ممارسة الإقناع أو الضغط على إثيوبيا.

وأضاف: الخطاب الذي أرسلته مصر لمجلس الأمن يتيح أن يكون لها دور دولي كبير حيث يمكنها الاستمرار في مطالبها بكل قوة وتصعيد موقفها إلى جانب المنظمات الدولية الأخرى ومتابعة البنك الدولي وماذا بإمكانه أن يفعل نظرًا لحضوره ومشاركته في مفاوضات الوساطة ومعرفة الخطوة القادمة التي يمكنه القيام بها بعد ذلك بحيث لا يتيح لإثيوبيا تنفيذ خطة أحادية من جانب واحد دون الرجوع إلى دول المصب ومخالفة قواعد القانون الدولي.

مجلس الأمن

ومن جانبه قال السفير جمال الدين بيومي مساعد وزير الخارجية الأسبق: الفائدة الأساسية لخطوة مصر من ذلك الخطاب تتمثل في إحاطة مجلس الأمن بتطورات الموقف بشأن بناء إثيوبيا لسد النهضة الذي يتعارض مع مصالح مصر وتسجيل موقفها وتأكيد تصميمها على المسار السلمي لحل تلك المشكلة.

ورغبتها المضي في التفاوض إلى أقصى فرصة ممكنة مثلما حاولت ذلك مسبقًا في الإطار الثنائي مع إثيوبيا والسودان تحت رعاية البنك الدولي والولايات المتحدة لإيضاح موقفها والتأكيد على مدى خرق إثيوبيا لقواعد القانون الدولي.

حملة دولية

بدوره.. لفت مساعد وزير الخارجية الأسبق حسين هريدي إلى أن الخطاب يأتى ضمن الحملة الدولية التي شرعت فيها مصر بعد تراجع إثيوبيا عن التوقيع على الاتفاق الثلاثي في واشنطن في يناير الماضي.

كما أن الرجوع لمجلس الأمن خطوة دبلوماسية ذكية لأن مصر هنا تضع مجلس الأمن والأمم المتحدة أمام مسئولية حفظ السلام والأمن الدوليين.

وأضاف «هريدي»: الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي منشغلة الآن بالتعامل مع تداعيات فيروس كورونا (كوفيد -١٩) ولا يبدو أنها على استعداد على الأقل في المرحلة الحالية على بذل الجهود الدبلوماسية اللازمة لدفع إثيوبيا للتوقيع على الاتفاق الثلاثي وتعزيز وساطتها في هذا الأمر ، لذلك ما قامت به مصر خطوة ذكية وجيدة وعليها مواصلة التحرك الدبلوماسي في الساحة الدولية من أجل الضغط على إثيوبيا للتوصل إلى حل يرضي الأطراف المعنية كافة.

نقلًا عن العدد الورقي...

الجريدة الرسمية