رئيس التحرير
عصام كامل

احذروا «المجهول» في مواجهة كورونا

تتواصل الإجراءات الاحترازية بشأن مواجهة فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، بحزمة تدابير، كنت ولا زلت أؤيدها؛ فالإنسان في كل الأحوال هو صانع التنمية وموضوعها وهدفها، والنفس البشرية من أقدس ما حفظته الشرائع والأديان..

ولكن لن تقدَح في تلك التدابير الوقائية، الحاجةُ لبحث دوران عجلة الإنتاج، تزامناً مع تلك الإجراءات؛ فليس متصوراً أن يتوقف إنتاج مصانع وشركات إلى «أجل غير مسمى»، وفي الوقت نفسه لن تسمح الدولة بالمخاطرة بأرواح الناس؛ فالجائحة العالمية باتت نهايتها مجهولة التوقيت.

 

اقرأ أيضا: معادلة العلم والمسؤولية في مواجهة كورونا

 

إنني أحاول دائما الإفراط في «التفاؤل المتعقل» بشأن أزمة كورونا، وإن كانت التقارير المتتابعة من وكالات الأنباء ومنصات الإعلام الدولي، تخالف ذلك، ففي تقرير منشور بموقع «بي بي سي»، يتوقع الخبراء أن يطول أمد المواجهة مع الفيروس، فيما يتحدث العلماء عما يعرف علميا بـ «مناعة القطيع»، أو «المناعة بالعدوى»..

 

وهو مصطلح ظهر في شهر مارس الماضي، ويعني: «ممارسة الحياة بشكل طبيعي وعند إصابة معظم أفراد المجتمع بالفيروس؛ تتعرف أجهزتهم المناعية عليه، فتحاربه إذا حاول مهاجمتها»، لكن هذه الاستراتيجية سرعان ما تبخرت مع إصابة أهم الداعين لها نفسه بالفيروس وهو رئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون»، الذي خضع للعناية المركزة بعد تفاقم حالته.

 

ويؤكد أحد العلماء المصريين، وجود مدرستين علميتين لتحليل أزمة فيروس كورونا، واحدة تتوقع فترة زمنية طويلة لوجوده، وأخرى تؤيد ضعف الفيروس –شأن باقي الفيروسات– في البيئات الحارة، ولكن حتى الرأي الأخير يؤيد استمرار العدوى في الأجواء الحارة أيضاً، رغم ضعف الفيروس..

 

اقرأ أيضا: القراءة وقود للحياة

 

وعلى أية حال ينبغي أن تتوازى الإجراءات الاستباقية بشأن مواجهة فيروس كورونا، مع إجراءات موازية تضمن استمرار الانتاج مهما كانت آليات ذلك الاستمرار؛ لأنه ليس متصوراً أن نطالب الناس بالمكوث في البيوت أشهراً أو لأجل غير مسمى، وإلا سنواجه كوارث اجتماعية صعبة، فضلاً عن الاقتصادية..

 

لدينا قطاعات يمكن أن نضمن لها توفير آليات العمل عن بعد. هذه الآليات كانت بعض الدول العربية الشقيقة دخلت حيز التنفيذ في تطبيقها منذ سنوات، ولا غضاضة أن نتبادل الخبرات مع تلك الدول للوصول لمستوى مماثل.

 

يمكننا دعم عمليات «التعليم عن بعد»، وتقليل التحركات المتربطة بما يمكن تسميته «المطالب الحياتية اليومية»، بتعزيز إنهاء التعاملات بشكل إلكتروني، بحيث يشمل ذلك دفع رسوم الكهرباء والمياه والغاز، وكذلك إنهاء إجراءات التقاضي المحاكم المصرية إلكترونيا، بما يقلل تكدس المحامين والمتقاضين فيها..

 

يمكننا أيضا توفير تقنيات مناسبة للعمل الإعلامي عن بعد، ودعم العمل المحاسبي بذات الطريقة، بالتوازي مع إجراءات تضمن توفير ما يعرف بمفهوم «الأمن السيبراني»، لمنع أي اختراقات للشبكات والمواقع الإلكترونية.

 

ويتعين على الدولة دعم القطاع الخاص بالطريقة المناسبة لاستمرار العمالة في ذلك القطاع الحيوي، وتقليل حدة «الهجوم الأعمى» على رجال الأعمال؛ فالحديث عن «التبرع للدولة» يجب أن يقترن بمفهوم الاختيار والإرادة التي تتوافر لدى القائم بالتبرع وليس بإجراءات مفروضة عليه..

 

اقرأ أيضا: من يحاسب الرئيس التركي على جرائمه؟

 

لكن تعالوا نتدارك هيبة الدولة أثناء حديثنا عن الحاجة للتبرعات، ونتدارك أيضا أوضاع «البيوت المفتوحة»، من وراء مصانع وشركات القطاع الخاص، لذلك فالمطلوب دعم ذلك القطاع على أن يرتبط تشجيعه بما لديه من فرص عمل يوفرها للشباب.

 

أما عن المخاوف من العدوى فيمكننا سن «قانون النظافة العامة»، إن صحت التسمية على ذلك النحو، بحيث نجرم أي سلوك شخصي من شأنه نشر العدوى.. المهم أن تستمر عجلة الإنتاج في عالم انكشفت صورته الحقيقية أمام فيروس سيعيد صياغة مفاهيم العولمة وحقوق الإنسان والاقتصاد العالمي برمتها.. والله من وراء القصد.

الجريدة الرسمية