رئيس التحرير
عصام كامل

شيخ الأزهر من أوزباكستان: لا يوقِف حمامات الدماء إلا مذهب أهل السنة والجماعة.. التكفير بالكبائر مذهب دموي يتستر بالدين

الدكتور أحمد الطيب
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف

ألقى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف اليوم الثلاثاء، كلمة رئيسةخلال مؤتمر “الإمام أبو منصور الماتريدي والتعاليم الماتريدية” بأوزباكستان، وقال  شيخ الأزهر الشريف، إنه قد كُتِبَ الخلودُ لمذهبِ هذَيْنِ الإمامَيْنِ –الأشعري والماتريدي-  بسبب أنَّه لم يكن مذهبًا جديدًا اختَرَعه الماتريديُّ أو الأشعريُّ، يميل إلى العقل على حساب النَّص، أو ينحاز لظاهر النص على حساب العقل، وإنما هو مذهب يقرِّر ما عليه أصحاب رسول الله ﷺ، يتمسَّك به ويناضل عنه ويقيم الحجج والبراهين عليه.

وتسائل  الإمام الأكبر : هل الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى مذهب الإمامين الجليلين: الماتريدي والأشعري ومذهب أهل الحديث؟ والجواب المباشر هو: نعم وألف نعم، بل أذهب إلى أبعد من ذلك لأقول: إنَّه لا يوقِف حمامات الدِّماء التي أُريقَت على مذابح التكفير إلَّا مذهب أهل السنةِ والجماعة. فنحن نعلم يقينًا أنَّ الجماعات المسلحَّة التي تنتسب للإسلام لا ترتكب جرائمَ القتلِ وإراقة الدماء إلا انطلاقا من عقيدة فاسدة تقول: إن مرتكب الذنوب والكبائر كافر ودمه وماله وعِرضه حلال.

 

 

 

التكفير بالكبائر

وبيَّن شيخ الأزهر أن التكفير بالكبائر هو بريد استحلال الدِّماء، وهو مذهبٌ دمويٌّ يتستَّر بالدِّين، وهنا نلفت أنظار -غير العلماء والمتخصِّصين- إلى أنَّ المذهب الوحيد، وأكرِّر: الوحيد، الذي لا يكفِّر أحدًا من أهل القِبلة، ولا يُخرج أحدًا من المسلمين من دائرة الإسلام، حتى وإن ارتكب جميعَ الكبائر ومات عليها - إنَّما هو مذهب أهل السنة والجماعة. 

 

توجيه الشكر

كما وجه فضيلة الإمام الأكبرالدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الشكر الجزيل لدولة أوزباكستان، رئيسًا وحكومة وشعبًا، وخص بالشكر الرئيس مير ضياييف، رئيس جمهورية أوزباكستان، على دعوة فضيلته للمشاركة في هذا المؤتمر الكبير والهام، مشيرا أنه جاء في سياق زمني ومكاني بالغ الضرورة، وهو أمارة على فطنة القائمين عليه وانتباههم لضرورة اكتشاف الجذور، والتنقيب في التراث العريق عن الأصول الثابتة والقواعد الراسخة، واستصحابها للتدرع بها في معترك النهضات وصراع الحضارات.

أوزباكستان تمنح شيخ الأزهر صفة المواطنة الفخرية خلال مؤتمر الماتريدية | صور

وأكد أن الأَحْرَى والأَخْلَقُ بهذا المؤتمرِ أن نَنظُرَ إليه بحُسبانِه ضَوْءًا يَسطَعُ في نهايةِ نَفَقٍ شبهِ مُظلِم، أو مَرْكبًا آمِنًا في بحرٍ مُتَلاطِمٍ الأمواجِ، وشُكرًا لدولةِ أوزباكستان على هذا السَّبْقِ الذي يحقُّ لها أنْ تَفخرَ به وتعتز.

وأوضح فضيلته أنه لابد من النظر لهذا المؤتمر من خلال منظورين بالغَيِ الدقَّة والأهميَّة، الأول، تحـديدُ موقفِ الأمةِ من طُوفانِ الحداثةِ وما بعدَ الحداثة، وتَسلُّط رُؤاها وأنظارِها، وبكُلِّ وسائلِ التواصلِ الحديثةِ، على عُقُولِ الصغارِ والكبارِ، بل على طائفةٍ ممَّن يَملِكون التأثيرَ على عُقُولِ الشبابِ، سواءٌ بالكلمةِ المكتوبةِ أو «المتلفَزةِ» على شاشاتِ الفضاءِ، أو عَبْرَ وسائلِ التواصُلِ الاجتماعيِّ.. والأخطر: أنَّ بعضًا مِمَّن يَتزيَّوْنَ بزِيِّنا ويتحدَّثُون بلُغتنا، اختلطت في أذهانِهم أوراقُ «الحداثةِ» في نُسختِها العربيَّة، بأوراقِ دعوةِ التجديدِ أو دعوةِ إصلاحِ الفكرِ الدينيِّ، ونَتَجَ من هذا الخلطِ -المتعمَّدِ أو غير المتعمَّدِ- استباحةُ الحديثِ عن الإسلامِ من غُرَباءَ على عُلومِه النقليَّةِ والعقليَّة، بل استباحة التطاولِ -أحيانًا- على أئمَّةِ المسلمينَ وأعلامِهم الأفذاذ، وليس لهذا الاضطرابِ الذي أَوْشَكَ أن يكونَ «تِيهًا يَتربَّصُ بالأُمَّةِ كُلِّها» إلا مخرجٌ واحد هو «إحياءُ التراثِ»، ودراستُه وتدريسُه في المعاهدِ والجامعاتِ المختصَّةِ، وانتقاءُ ما يُساعِدُنا على نهضةٍ حديثةٍ تجمعُ بينَ قِيَمِ التراثِ والتطوُّرِ الفكريِّ والتقنيِّ، وهذا أمرٌ يحتاجُ إلى أن يُعقَدَ له أكثرُ من مؤتمرٍ يَضُمُّ جميعَ علماءِ المسلمين للتباحُثِ حولَ كيفيَّةِ الإحياءِ، وتحديدِ معاييرِ «الفَرْزِ» بين ما يُستَدعَى من الأُطُرِ التشريعيَّةِ والقواعدِ الفقهيَّةِ التي تَسمَحُ بتغيُّرِ الصورِ الجزئيَّة وتبدُّلها، وبين ما يَبقَى خاصًّا بزَمَنِه الذي قِيلَ فيه، ولا يُفيدنا استصحابُه في زمَنِنا هذا، وهنا يكونُ بَعْثُ التراثِ وعقدُ المؤتمراتِ المتخصِّصةِ في مجالِه أمرًا يجبُ تشجيعُه والثناءُ عليه.

 

 

مذهب أهل السنه والجماعة

وأضاف الإمام الأكبر أن المنظور الثاني: الذي تتبيَّن فيه «قيمةُ هذا المؤتمر» فيَنبُعُ من أنَّه يأتي تعبيرًا عن مذهبِ «أهل السُّنَّة والجماعة» وهو مذهبُ السوادِ الأعظمِ من المسلمين، ويَعني هذا المفهومُ في المقام الأوَّل: الأشاعرةَ والماتريديَّةَ وأهلَ الحديثِ من الأحنافِ والمالكيةِ والشافعيَّةِ والحنابلةِ، وأئمَّةَ علومِ الذَّوْقِ والسُّلوكِ، وأهلَ اللغةِ والبيان، ومن المؤلمِ أن نُشِيرَ -من جديدٍ – إلى ما ابتُلِيت به الأُمَّةُ في الآونةِ الأخيرةِ من اضطرابِ مفهومِ «أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ» في أذهانِ نابتةٍ من أبنائها جعَلُوا منه شارَةً بل عَلَمًا على التشدُّدِ والتطرُّفِ، والغُلُوِّ والتكفيرِ، واستباحةِ الدِّماء، وحَكَمُوا على مَن لا يَعتَقِدُ عقائدَهم بالخروجِ من دائرةِ أهل السُّنَّة والجماعةِ، ونحن في الأزهرِ نعملُ ليلَ نهارَ على تصحيحِ هذا المفهومِ، وعودتِه إلى دلالتِه الحقيقيَّةِ التي أجمَعَ عليها المسلمون على مدى أكثر من ألفِ عام.

 

 

ويشارك فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في المؤتمر العلمي  «الإمام أبو منصور الماتريدي والتعاليم الماتريدية: التاريخ والحاضر» والذي يعقد على مدار ثلاثة أيام من 3 إلى 5 مارس 2020،  بمدينة سمرقند بأوزباكستان، ويناقش تحليل سيرة الماتريدي وآثاره العلمية، والآراء والأفكار المرتبطة بتاريخ تطور علم الكلام في عهده، وبحث تطور التعاليم الماتريدية، وأهمية تراث الإمام الماتريدي وأتباعه في حل القضايا الملحة في العصر الحالي.

وتعد هذه هي المرة الثانية التي يزور فيها  فضيلة الإمام الأكبر دولة أوزبكستان، بعد الزيارة الأولى في أكتوبر 2018 والتي عقد خلالها سلسلة من اللقاءات مع كبار المسؤولين السياسيين والدينيين في أوزبكستان، وعلى رأسهم الرئيس شوكت ميرضيايف، ورئيس الوزراء عبدالله عارفوف، ونعمة الله يولداشيف رئيس مجلس الشيوخ.

الجريدة الرسمية