رئيس التحرير
عصام كامل

علاج تأخر لصحافة مريضة !

لست مع الذين يقللون من أهميةَ ما يجرى على الساحة الصحفية الآن من مناقشات اتسعت حول الأزمة الحادة التى تمسك بعنق صحافتنا التى كانت يوما رائدة فى منطقتها، وذلك استنادا إلى أن مرض الصحافة معروف لمن يعملون فى بلاطها، والعلاج أيضا معروف، ولكنه تأخر كثيرا حتى باتت أزمة صحافتنا شديدة وقاسية تنذر بالإجهاز عليها.

 

فهذه المناقشات سواء التى شملت بعض  شباب الصحفيين أو كبارهم تعبر عن إدراك بدأ يتسع بأن صحافتنا فى أزمة حادة باتت تحتاج لعلاج عاجل وحاسم، وأن استمرار الحال بها كما هو الآن أضحى من المحال.

 

كما أن ذلك ينبه الدولة إلى أن أزمة الصحافة، خاصة القومية، ليست مجرد أزمة مالية فقط، تتمثل فى تراكم الخسائر وتضخم الديون وتزايد الدعم المالى الذى تقدمه الحكومة لصحافتنا القومية.. وبالتالى فإن علاج هذه الأزمة يتعين أن يختلف عن علاج مصانع وشركات قطاع الأعمال العام المتعثرة..

 

اقرأ أيضا: الصحافة القومية وإصلاحها !

 

والذى تراوح ما بين الرغبة فى تصفية بعض هذه المصانع والشركات مثلما حدث بالنسبة لإحدى شركات الأسمنت، أو ما بين ضخ أموال كبيرة فى شرايينهم لإصلاح هياكلها المالية وتحديث العمل فيها، كما يحدث لشركات الغزل والنسيج.

 

فإن أزمة الصحافة، خاصة القومية، ثلاثية الأبعاد.. فمع الأزمة المالية هناك أزمة إدارية، وأخرى مهنية.. وبالتالى لا يكفى تصفية بعض المؤسسات الصحفية أو إدماجها مع أخرى أو وضع الصندوق السيادى يده على أصولها لإنهاء أزمة الصحافة القومية..

 

وكذلك لا يكفى ضخ أموال كبيرة فى شرايينها حتى تظفر بالعلاج، وإنما يتعين قبل ذلك أن يتوفر لهذه المؤسسات إدارة تتسم بالكفاءة والقدرة والعلم لتقودها إلى بر الأمان، وإلا عادت هذه المؤسسات لتمد اليد للحصول على الدعم الحكومى مجددا بعد تخليها عن أصولها..

 

اقرأ أيضا: وزير الإعلام وحكايته !

 

وهذا يقتضى تغييرا حقيقيا فى آلية وطريقة اختيار قياداتها، وإعلاء معايير الكفاءة على أية معايير أخرى فى اختيار هذه القيادات.. لقد جربنا اختيار ما نعتقد انه الأكثر طاعة وولاء وكانت النتيجة تراجعا مأساويا لصحافتنا القومية.. 

 

كما أن هؤلاء مثلما أطاعوها فهم مستعدون لإطاعة غيرنا، وهذا ما فعلوه  خلال حكم الإخوان مع بعض الاستثناءات.. فلماذا لا نكف عن ذلك ونجرب اختيار الاكثر كفاءة والأكثر مهنية؟!.. وقديما قال أجدادنا أعطوا الخبز لخبازه لنحصل على خبز جيدا!

 

كما أن الدولة يجب أن تدرك أنها شريكة فى أزمة صحافتنا القومية.. فهى سكتت سنوات طويلة على أخطاء إدارية ومالية فى مؤسساتها، وأغمضت عينها عن توسعات غير ضرورية فى أبنيتها ومطابعها وإصداراتها ومطبوعاتها..

 

وتأخرت عن علاج أزماتها عندما بدأت أعراضها تظهر جلية واضحة، ولم تعمل على توفير المناخ الملائم والمناسب ليصير لها التأثير لدى الرأى العام، وهو مناخ الحرية الذى لا يصح معه أن تكون آلية تعاملها مع الصحافة القومية هى آلية التوجيهات والتعليمات..

 

اقرأ أيضا: أمريكا والتدخل التركي في ليبيا!

 

فإن تولى الأكثر مهنية المسئولية فى الصحافة القومية سوف يوفر لها من يملكون مسئولية ويدركون احتياجات الأمن القومى، ولديهم القدرة على المبادرة دون انتظار للتوجيهات والتعليمات.

 

ولست وحدى الذى يقول هذا، وإنما بالطبع قاله شباب وكبار الصحفيين مؤخرا فى جلسات الاستماع الأخيرة التى نظمتها الهيئة الوطنية للصحافة، ويقولونه فى داخل مؤسساتهم وعلى مواقع التواصل الاجتماعى.. لذلك أرى أنه مفيد للتوصل إلى علاج لأمراض صحافتنا.       

 

الجريدة الرسمية