رئيس التحرير
عصام كامل

عيد الثورة.. وعيد الشرطة

في الثالث والعشرين من يناير من عام ٢٠١١م، كنت قد كتبت مقالا اعترضت فيه على تحديد يوم الخامس والعشرين من يناير لنزول الجماهير إلى الشارع، في حركة احتجاجية تحولت فيما بعد إلى ثورة شعبية، ‪ مضت ذكراها هذا العام دون احتفال أو إشارة من وسائل إعلامنا على كثرتها ‬ دليل على عدم التنوع، فإذا كان البعض يراها على غير ذلك فإن التنوع يفرض أن يراها آخرون بأنها ثورة على الأقل حسبما ذكر دستور مصر.

وكان منطق دعوتي في ذلك الوقت أن عيد الشرطة المصرية عيد يجمع من المضامين القيمة والغالية، ما يفرض علينا عدم خلط الأوراق إذ إن هذا اليوم من عام ١٩٥٢م، هو رمز غال وقيمة نادرة لنضال رجال الشرطة وتضحياتهم ضد المحتل الإنجليزي، في واحدة من ملاحم الشهادة والنضال الوطنى الأبى، غير أن الأحداث مضت إلى حيث شاء الله، وأنبتت ثورة شعبية عظيمة أنهت أسطورة التوريث، وأوقفت زحف الفساد وانتشاره في رأس الدولة.

وفي هذا اليوم من هذا العام أستطيع القول إننا نحتفل بعيدين: عيد الشرطة ورمزية الدفاع عن الكرامة الوطنية، وتقديم نموذج للأجيال الحاضرة والقادمة، وكيف قرر نفر من المصريين العاملين بالشرطة المصرية في مثل هذا اليوم من عام ١٩٥٢م عدم الخضوع، ورفض الانكسار أمام المحتل الإنجليزي بكل عتاده، وقرر هؤلاء الأبطال البواسل التضحية بأنفسهم، وعدم تسليم موقعهم إلى المحتل الذي حاصرهم بكل عتاد القوات من دبابات ورشاشات ومدافع، ضحوا بأنفسهم من أجل قيمة عظيمة لا يزال يتردد صداها إلى الأبد.

أمريكا- إيران.. والخطوط الحمراء والعيد الثاني هو عيد الشعب المصري الذي خرج على بكرة أبيه، رافضا الخضوع لإرادة حاكم منفردة، بالمضى بالبلاد إلى حيث التوريث وشرعنة الفساد، ومصادرة الحياة السياسية، والانفراد بالسلطة، وتجريف لم تر البلاد مثيلا له في تاريخها، تجريف ما زلنا نعانى آثاره التي لن تنتهي قبل جيلين على الأقل من البناء والعمل الدءوب، لمواجهة آثاره وتداعياته الخطيرة على وطن بحجم مصر.

ومبعث التنصل من ثورة يناير يختزل فيما خطط له البعض منذ اندلاعها بربط التحرك بمجموعة من الأسماء المشوهة، وصنع نماذج لقادة وهميين لخلق صورة ذهنية تربط بين تحرك شعبي عظيم، وهذه الأسماء، فكانت النتيجة ما آلت إليه الأحوال الآن من تنصل غير مبرر، هذا التنصل لن يمحو آثارها التي نعيشها الآن، مهما كانت غضة الثمار، ويكفى أنها أوقفت زحف الفساد الراسخ في عقل السلطة ووجدانها وكل أدواتها.

قاتل بالإيجار

وثورة يناير ليست ابنة الأيام الأولى لها في الخامس والعشرين من يناير من عام ٢٠١١م، وإنما تعود إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، تعود ثورة يناير إلى نشوء أول صحيفة معارضة عام ١٩٧٧م، وتوالى إصدار صحف المعارضة، ومحاولات مستمرة منذ هذا التاريخ أخذت أشكالا وأنماطا متعددة للتعبير عن قدرات هذا الشعب، مسيرة من النضال الشعبى المصري في التجربة التعددية الثانية، التي لاقت الضربات تلو الضربات لتشويهها والنيل منها وحصارها حتى لا تنبت أزهارا. 

في الخامس والعشرين من يناير تحرك الشعب، استجابة لنداءات متتالية، على مدار ثلاثين عاما من حكم الفرد والحزب الواحد المتحكم في كل أوصال الحياة السياسية حتى نجحت، خرج الشعب وأسقط النظام الواحد، ثار وطالب بالعيش والحرية والكرامة. .قدم نموذجا لثورة بيضاء بلا دماء رغم كل محاولات الوقيعة والتوريط.. غسل الشوارع والميادين وغنى لبلاده، وتمنى أن ينجح في كسر الصوت الواحد. ما تلا ذلك من أمور معقدة أدت إلى ما نحن عليه لا يمكن اعتباره تقييما نهائيا، فالثورات لا تنتج نماذج مثالية بين يوم وليلة، وإنما تبقى الفكرة في صراع من أجل البقاء، وتحقيق الحلم حتى ترى النور وتحقق أهدافها، إذ لايمكن أبدا أن نشوه هذا التحرك الشعبى العظيم لصالح العودة إلى نموذج أثبت التاريخ فشله وعدم قدرته على الإيفاء بمتطلبات الدول والشعوب.. مصر يا سادة ثارت ضد الصوت الواحد وهذا يكفى!!

 

الجريدة الرسمية