رئيس التحرير
عصام كامل

قراءات وتأملات (1)


القراءة الأولى.. الكائنات تجمع في تكوينها ما بين جانب الكثيف وجانب اللطيف.. جانب الكثيف هو الجانب المادي، وجانب اللطيف هو الجانب الروحي، وفيه مكمن سر الحياة، وينقسم جانب اللطيف إلى قسمين، لطيف نوراني لا محل للكثافة فيه أظهره الحق عز وجل في الصور الملائكية، فقد خلقهم سبحانه من النور.. ولطيف نيراني أظهره سبحانه وتعالى في صور الجن فقد خلقهم سبحانه من النار لا كثافة لها.


ومعلوم أن جانب اللطيف أسمى وارقى من جانب الكثيف، ولذا عندما امتنع إبليس عن السجود لأبي البشر سيدنا آدم عليه السلام وسأله الله تعالى عن سبب عدم سجوده وهو تعالى أعلم بقوله تعالى: "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ"..

وما كان قول إبليس أنا خير منه إلا لأنه رآى الجانب المادي الطيني الذي خلق منه أبينا آدم فقط، ولم ير نفخة الرحمن النورانية التي نفخها فيه سبحانه، والتي نسبها إليه عز وجل حيث قال سبحانه: "فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ"..

والروح هي أرقى مراقى عالم اللطائف، وفيها يقول العارفون بالله إنها نور الذات المحمدية، وهي مناط التكريم الإلهي للإنسان ومكمن سر تفضيله على كثير ممن خلق الله، وهي مكمن سر الحياة في الإنسان، فبها تعمل أدواته ومداركه وحواسه.. يقول سبحانه وتعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا"..

ومن مظاهر التكريم سجود الملائكة، وهو سجود تكريم وتعظيم وولاء، لا سجود عبادة. ومن مظاهر التكريم الإلهي أيضا للإنسان منحه العلم والبيان الذي خصه الله تعالى به، والذي تفوق به على الملائكة حينما عرض سبحانه الأسماء على الملائكة، وقال لهم سبحانه: "أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ۝ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ۝ قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ"...

هنا سؤال يطرح نفسه وهو هل للملائكة خواطر وخفايا في أنفسهم وماذا يدور فيها.. هذا ما سوف نتحدث في مقال منفرد عن الملائكة...

القراءة الثانية، عندما خلق الله تعالى الحياة جعل لها سبع قوانين حاكمة له في الأرض في الحياة الدنيا.. وهي قانون السببية وهو القانون الأم، فما من شئ في الحياة إلا وهو منوط به لقوله تعالى: "وجعلنا لكل شيء سببا".. وقانون الزمان والمكان. فما من كائن إلا وهو محكوم بزمان ومكان من لحظة وجوده في الحياة إلى لحظة وفاته ورحيله عن عالم الدنيا..

وقانوني الخير والشر وذلك بحكم ما أودعه الحق سبحانه في النفس البشرية من نور ونار.. النور هي الروح والنار وهي جوهر النفس ومناط الأنا ومحل الأهواء والغرائز والشهوات وتهيأة الحق سبحانه وتعالى لها للقابلية للسمو والترفع والتدني والانحطاط، ولعمل الخير والشر لقوله تعالى: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا"..

وقانون الأقدار الإلهية منها المبرم والمعلق لقوله عز وجل: "يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ".. وجعل سبحانه المشيئة الإلهية هي الحاكمة لقوله تعالى: "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ".. وجعل سبحانه وتعالى قوانين للحياة في الآخرة منها.. قانون الثواب والعقاب.
الجريدة الرسمية