رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد بهاء الدين يكتب: تراب الوطن

أحمد بهاء الدين
أحمد بهاء الدين

في مجلة روز اليوسف عام 1958 كتب الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين مقالا قال فيه: لم تدمع عيناى من زمن بعيد، الأحداث التي تسبب الصدمة الحزينة والأحداث التي تسبب أعمق أنواع الفرحة.. تعودت أن أتقبل حزنها أو فرحها تقبلا عقلانيا، كأنه حزن أو فرح لأى عملية حسابية قد خابت نتيجتها أو تحققت صحتها.


حتى الروايات والأفلام التي كنت أقرؤها وأنا صبى فتدمع عيناى تأثرا بها، فقد أفسدت المهنة القدرة على الانفعال بها، لم تدمع عيناى من زمن بعيد لكنها اغرورقت بالدموع ذات يوم وأنا واقف على رصيف ميدان سليمان باشا أرى موكب تشجيع السياحة.

كان موكبا من الفلاحين والفلاحات يمشون على الأقدام وعلى الخيول وفى الهودج على ظهر الجمل، ولم يكن الأمر تمثيلا إنما كانوا فلاحين بالفعل..جاءوا بطبولهم ومزاميرهم ورقصاتهم وزيناتهم الساذجة يعبرون أعلى شوارع القاهرة.

لم أنتبه كثيرا إلى الموكب نفسه ولا لما فيه من عيوب وحسنات فقد تركزت عيناى على وجوه الفلاحين والفلاحات السائرين في الموكب..كل وجه كأنه عالم بأكمله، تاريخ بأكمله، مزيج من الغربة والارتباك والخوف والدهشة والفرحة بأن الناس تلتف حولهم وتهتف لهم والمحاولة المضنية لإرضاء هؤلاء الناس.

ودمعت عيناى عندما تذكرت أن هؤلاء هم أصحاب البلد الحقيقيون، أصحاب الشارع الأنيق والعمارات الشاهقة والأقمشة الفاخرة التي يلبسها المتفرجون..هم أصحاب هذا العالم.

نعم أصحابه، فإذا كانت ثروتنا ما تزال في أساسها زراعية، وإذا كانت الزراعة هي التي تتحول إلى قوة شرائية تشترى بها الآلات والطائرات والسيارات والأثاث وتذاكر الطائرات، فمعنى ذلك انهم بالفعل أصحاب كل شيء لأن أياديهم هي التي تصنع كل شيء، وما يؤسفنى أنهم رغم ذلك في المؤخرة يطوفون بالعاصمة كالغرباء.
الجريدة الرسمية