رئيس التحرير
عصام كامل

بعيدًا عن السياسة!


اكتظت الفترة السابقة بالكثير من الأحداث التي تجاوزت حدود الأدب من أشخاص بالداخل والخارج، ويقينا لا أري أي من أبطال هذه الأحداث مهموما بأحوال الوطن والمواطنين ويتطلع لمستقبل أفضل لهم ومن ثم لأبنائهم وأحفادهم، طلائع المستقبل، ولكن كلا منهم يغني على ليلاه، ما بين حرامي ومارق وفاجر، أراد أن يتنصل من مديونياته المالية الكبيرة للبنوك والشركاء ومقاولين الباطن، من خلال إسفاف وتجاوز وانتهاك لأعراض الغير وتنمر منبوذ ومزج الحق القليل بالباطل الكثير..


ثم اعتقد أنه مناضل ثوري، وصدر نفسه بمثابة المنقذ لأهله وناسه، وهذا في الحقيقة دربا من دروب العبث، والأكثر عبثًا، من صفقوا له واصطفوا خلفه، في إشارة واضحة إلى تدني الوعي الحقيقي، بل وعدم التمييز بين المناضل صاحب القضية والهارب فاقد الهوية!

ثم يأتي بالتزامن مع هذا الحقير، شخصا كان يراه الكثير في يوم من الأيام أيقونة الثورة في مصر، وإذا به يخرج علينا بشكله الحقيقي بعد سقوط كل الأقنعة من على وجهه القبيح، ولم يكن هذا الوجه بالنسبة لي غريبا أو عجيبا، فلم أر هذا الشخص في يوم من الأيام أفضل من هذه الصورة الجوفاء الهزيلة التي يظهر بها الآن، غير مشفقا عليه أو داعيًا له بالشفاء، فأنا لا أراه مريضًا، بل هو سليم معافي يعلم تمامًا ما يفعله في كل وقت!

ويا ليت المشهد الهزلي انتهى عند هؤلاء الأشخاص عديمي الذكري، وقنوات البورنو الإعلامي الداعمة لهم، خاصة أن كلا منهم يتحدث من الخارج، يعيش ويحيا ليلًا نهارًا في ذنوب ومعاصي، ثم يتحدث إلى العامة واعظًا، ومع هؤلاء أتذكر دائما مقولة "الشيطان يعظ"، بل زاد الطين بلة بدخول آخرين على الخط ضدهم، حيث تحمسوا في الرد ولكن بكل حماقة ووقاحة وجنون وتدني أخلاقي لا مثيل له اعتقادا منهم أنهم هكذا يدافعون عن الوطن!

ثم يأتي دور بعض الأبواق الإعلامية لتتصدر منابر الهزل والكذب والدفاع بالأسلحة الفاسدة، في مشهد أقرب إلى النكسة، كلا منهم يقدم نفسه وطنيًا بطلًا فارسا، في مشهد عبثي، لا أعتقد أن طفلا رضيعا في مصر قد يصدقه، فالكثير بيننا أصبح متيقنا أن هؤلاء الأشخاص لا يشغلهم الوطن من قريب أو بعيد، ولكنهم جميعًا يلهثون خلف مصالحهم والحفاظ عليها، لذا لا يصدر منهم سوى ضوضاء غير نافعة، يستطيع كل منهم أن يغير جلده ويتبدل بقدرة فائقة يصعب على الثعبان امتلاكها، ولا عجب إذا شاهدت هؤلاء يومًا يتصدرون منابر الهجاء ضد من يمدحونهم حاليا إذا تغيرت الأحوال!

أما نشطاء فيس بوك، ففقدوا بوصلة التفكير، ويسيرون خلف عواطف اللحظة، بين رفض وقبول، وخلطا بين الحق والباطل وفي كثير من الأحيان أصبحت المصالح تتحكم في ردود الأفعال. وفى النهاية تركنا المواطن البسيط فريسة لكل ذلك، في حين أن الوطن يحتاج للعمل للنهوض به من كبوته.

أيها السادة الأمر جد خطير، انتبهوا جيدا لوطنكم ولأنفسكم واتركوا المساحة المناسبة لتمييز الأبيض من الأسود، واقبلوا بعضكم البعض حتى لو اختلفتم في الرأي، إذا كانت قضيتكم بالفعل قضية وطن!

أكتب هذا المقال ليس دفاعًا عن أحد، أو هجومًا على الآخر، وهو رأي غير سياسي، ولكنه نقطة نظام لطريقة تفكير صادمة، لن تحقق لنا ولوطننا أي خير، فقد شاهدت ما حدث خلال الفترة السابقة خاصة بعد أن انعدمت مصداقية الكثير من الذين يتحدثون إلينا، واعتزل المثقفين الحقيقيين الحديث في الشأن العام وأصبح المحراب واسع أمام أصحاب المصالح والمنتفعين للحديث دون حدود!

أكتب وكلي أمل أن يتفهم البعض ما كتبته وينحي العاطفة جانبا، ويستدعي عقله، ويستحضر روح نصر أكتوبر العظيم، فالوطن يستحق ذلك وأكثر!
الجريدة الرسمية