رئيس التحرير
عصام كامل

ذكرياتي في حرب أكتوبر


كلما حلت ذكرى حرب أكتوبر المجيدة أعيد شريط الذكريات، تلك الذكريات التي لا ولن تنسى. أتذكر يوم تخرجي والتحاقي بالجيش الثاني الميداني بالإسماعيلية، قبل حرب أكتوبر المجيدة بثلاثة أشهر، وكم كنت سعيدا بخدمتي في الجبهة، فكم كنت متشوقا ومتطلعا للقتال والحرب واستعادة الكرامة والأرض مع زملائي أبطال رجال القوات المسلحة، وأتذكر لقائي الأول مع قائد السرية التي التحقت بها المقدم الصعيدي البطل الأصيل "محمود عباس العطيفي" رحمه الله تعالى وترحيبه بي للعمل تحت قيادته، وتكليفه لي بقيادة الحملة الفنية للسرية.


ولا أنسى روح الإحباط التي كانت موجودة لدى الزملاء قبل حرب أكتوبر، والامتعاض الذي كانوا فيه، ومدى تشوقهم لإصدار الأمر من القيادة بالحرب، وكم رأيت الحزن في أعينهم إلى أن جاء يوم الخامس من أكتوبر، وإذ بالبوروجي يضرب نغمات الجمع وكان ذلك بعد آخر ضوء، وتسارعنا للجمع وجلسنا ضباط وصف ضباط وجنود على الأرض وجلس القائد معنا وقال: "يارجالة قد آن الأوان لاستعادة الكرامة وتحرير الأرض، فقد تلقيت تعليمات الآن من القيادة العليا للقوات المسلحة بالاستعداد الكامل، وشدة ميدان كاملة استعدادا للحرب، وأمر بأن نستلم السلاح والذخيرة وتجهيز المعدات".

وأتذكر يومها نظرات الزملاء بعضهم لبعض تلك النظرات التي جمعت ما بين الأمل والتصديق لما سمعناه من القائد، وبين الحيرة، فكم سمعنا أننا سنحارب ولم نحارب، هنا أدرك القائد ما يجول في العقول والأذهان، فأقسم بالله تعالى أن الأمر في غاية الجد، وقال: "هذه المرة سنحارب وسننتصر، وإن لم يحدث هذا فسأقدم استقالتي".. فتبتسمت الوجوه وهللت الألسن بالتكبير وأتذكر أننا لم ننم في تلك الليلة، وانشغل الكل في تجهيز الأسلحة والمعدات وتناول الحديث عن الحرب، وماذا سنصنع بالصهاينة الملاعين، وكيف سننتقم منهم، ولقد أخذنا عهدا على أنفسنا إما النصر أو الشهادة.

وأتذكر زملائي المسيحيين المصريين الأبطال، وكم كانت سعادتهم بنبأ الحرب، وأتذكر زميلي "حنا مرقص" ضابط الإحتياط الذي كان يعمل شماس في الكنيسة، وأتذكر شجاعته وبطولته وإقدامه، وهذا لم يكن مستغرب فكلنا أبناء مصر وقد شربنا من مائها وربينا وتعلمنا في مدارسها وعلى أرضها ومصيرنا واحد، ولم نكن نعرف التفريق بين مسلم ومسيحي، فلم تكن أيامها الفتن التي إبتدعها الصهاينة الملاعين وأصحاب المؤامرة الخبيثة لشق صف أبناء الأرض والمجتمع الواحد.

وأتذكر قبل بدء الضربة الجوية التي بدأت بها المعركة بساعات قليلة صدر الأمر بالاستعداد الكامل، وإننا سنكون من خلف قوات كتائب المهندسين التي تصدرت القوات في العبور مع سلاح المدفعية وقوات المشاة والقوات الخاصة، حيث كانت مهمتنا النجدة والإنقاذ والإمداد. وبالفعل كنا خلف قوات المدفعية والمشاة وعبرنا القناة من جميع الجبهات وتعالت الأصوات بالتكبير والتهليل..

وأذكر أننا كنا مجموعات كل مجموعة تؤدي مهمة تعود للخلف للتزود بالأسلحة والذخيرة، ولأخذ قسط بسيط من الراحة، وتتقدم مجموعة أخرى، وهكذا وأتذكر بعد عودتي مع مجموعتي بكائي وإلحاحي على قائدي بأن أكون مع المجموعة التي حلت محلنا، وبأمانة لم يكن هذا حالي وحدي فقط وإنما كان حال كل الزملاء الأبطال رجال أكتوبر..

وأتذكر ذعر الجندي الصهيوني وإلقاءه لسلاحه وصراخه عندما يرى الجندي المصرى، ولا أنسى عناية الله عز وجل وإمداداته الخفية بالملائكة.. وأتذكر أننا كنا صائمين وأصدرت دار الفتوى وقتها برخصة الإفطار ولكننا رفضنا، وكان الزملاء المسيحيون صائمين معنا مراعاة لشعورنا وحبا فينا.. لقد قاتلت بالسلاح، وكم أفخر بذلك، وأقاتل منذ أكثر من ثلاثين سنة بكلمتي وقلمي وعلى الاستعداد أن أحمل السلاح لآخر نفس حبا في بلدي مصر أرض الكنانة.

مصر قلب العروبة. مصر الأزهر الشريف. مصر الوطن الذي يسكن فينا في قلوبنا وأرواحنا.. مصر المحروسة حماها الله تعالى ورد عنها كيد الكائدين ومكر الماكرين وحقد الحاقدين، وتحيا مصر، ويعيش ابنها البار الوطني المخلص الحر السيد الرئيس "عبد الفتاح السيسي" حفظه الله..
الجريدة الرسمية