رئيس التحرير
عصام كامل

«صوت من السماء».. قصة القارئ المجهول صاحب «الحنجرة الذهبية»

فيتو

مؤخرا انتشرت تلاوات قرآنية لشاب صاحب صوت عذب، حققت تلاوته ملايين المشاهدات عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ورغم انتشار تلك التلاوات إلا أن أحدا لم يكن يعرف الكثير عن صاحبها، لدرجة أن أطلق البعض عليه لقب "القارئ المجهول"، وهناك من أكدوا أنه شاب خليجي وآخرون أفتوا بأنه يعيش في تركيا، لكن الحقيقة أن الشاب صاحب التلاوات يدعى إسلام صبحي، ومقيم بإحدى قرى محافظة المنوفية.

بعد القليل من البحث في قنوات موقع الفيديوهات العالمي "يوتيوب" والصفحات الرسمية التي تحمل اسم القارئ "إسلام صبحي"، توصلنا إلى هوية هذا الشاب المصري الذي نجح وبدون قصد منه وعن طريق المصادفة، كما يؤكد، أن يكون في مصاف كبار قراء القرآن الكريم في العالم العربي وليس مصر فحسب. 

وبعد محاولات إقناعية عدة، خرج إسلام عن صمته، وتحدث عن طفولته وحياته بالقرية، وصاحب الفضل في وصوله لما هو فيه الآن، وأسباب ابتعاده عن الأضواء، ورفضه عروضا عربية وعالمية لتلاوة القرآن في كبرى المحطات التليفزيونية والإذاعية.


في قرية "مليج" مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، بأحد منازل القرية، كان صوت الجد مع بزوغ شمس الصباح يصدح في أرجاء المنزل، يقطع الصمت المطبق عليه، يستيقظ الطفل إسلام على هذا الصوت، لا يتبين تحديدا ماذا يقول الجد ولا يعي بعد أنه يتلو بعض آيات الذكر الحكيم، يسارع إليه ويجلس ملتصقا به، يتمايل برأسه مع انسيابية صوت الجد وعذوبته.

تمر السنوات ويكبر إسلام ويستعد لدخول المدرسة، لكنه لا يقطع العادة ذاتها، فقبل أن يذهب إلى مدرسته، يهرول إلى فناء الدار حيث يجلس الجد وأمامه حامل المصحف الشريف:"كنت بركز في كل حرف بيخرج منه كنت منبهر بصوته، أبويا كمان ورث منه روعة الصوت، وكنا معروفين على مستوى القرية بحسن الصوت في تلاوة القرآن الكريم".

جينات عذوبة الصوت تناقلها الأب والحفيد من الجد، لكن الأب والجد بقيا على عهدهما ألا يخرج صوتهما للنور أو خارج إطار مجتمع القرية الصغير.


في الصف الثالث الإعدادي كانت البداية الفعلية لإسلام في دخول عالم التلاوة، متابعة مستمرة ومتأنية لكافة التلاوات بأساليبها ودروبها المختلفة، بين قراء قدامى وآخرين جدد، وجد إسلام نفسه في صوت القارئ السعودي "ماهر المعيقلي"، تعلقت روحه به، :"كنت بسمع لمشايخ كثر جدا لكن ظل الشيخ ماهر المعيقلي هو أقربهم لقلبي، علقني بالتلاوة، ولقيت نفسي بقرأ ورائه بصوت مرتفع، مكنتش فاهم في التجويد لكن صممت استمر واقرأ".

أصبح صوت المعيقلي وفي بعض الأحيان الشيخين مصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد رفقاء يوم الشاب الصغير منذ الصباح الباكر وحتى نهاية اليوم: "كنت في الإذاعة المدرسية بأصر على إني أتلو القرآن على الطلبة وأكسب حسنات، وأول مرة جمعت نحوا الناس عند بيتنا وقرأت عليهم ما تيسر من سورة النمل، انبهروا بيا".


رافق المصحف جيب إسلام حتى دخوله مرحلة الثانوية العامة، التحق بكلية الطب جامعة المنصورة، وهو الآن في الفرقة الرابعة بالكلية، يعتبر مرحلة دخوله الكلية هي الصدفة القدرية التي جعلت الناس في مصر والعالم العربي يتحدثون عن صوته، ففي بداية العام الدراسي للسنة الثانية بالكلية، علم إسلام بوجود "جروب" ترفيهي خاص بدفعة الكلية بعيد تماما عن الأجواء الأكاديمية البحتة التي تتسم بها عادة مثل تلك المجموعات، اقتصر على عرض مواهب الدفعة الجديدة: "سجلت تلاوة لبعض الآيات ورفعت التسجيل كان نحو دقيقتين، على جروب الكلية، في غضون دقائق قليلة جدا لقيت عشرات الإعجابات والتعليقات التي تشيد بصوتي وإلحاح من ناس كثير إني لابد أعمل قناة على يوتيوب وانزل فيها هذه المقاطع والعالم كله يستمع لصوتي مكنتش مجود لأنه محدش عندنا علمني التجويد، فنبهني زملائي لضرورة تطوير التجويد عندي، ونزلت على ساوند كلاود سبع مقاطع، لاحظ الجميع فيها أن التجويد عندي بيتحسن تدريجيا ودون أن أشعر حتى أنا بذلك".


سورة النمل عادت لتسجل نقطة فارقة جديدة في مسيرة إسلام القصيرة، حيث كانت أول سورة تسجل بصوته وتنشر على قناة اليوتيوب ممهورة بعبارة "القارئ المجهول والصوت الذي حير الكثيرين"، ويبدو أن عبارة القارئ المجهول علقت بذهنه وأصبحت نهج إسلام حتى هذه اللحظة: "أنا مش حابب الظهور ومش حابب المتاجرة بصوتي وبآيات القرآن".

توالت القراءات بعد ذلك، واستشعر المتخصصون في علم القراءات وجود تميز وتقدم في تجويد إسلام كاد يصل به إلى مرتبة "المحترفين": "بدأت انزل مقاطع أكثر وحصلت على قراءات أعلى يمكن وصلت أحيانا لملايين كثيرة، وعملنا قناة رسمية باسمي في يوليو 2018، حصلت على درع اليوتيوب درع الـ 100 ألف متابع، بعد ما وصلت القناة لـ 200 ألف متابع، وفي طريقي للحصول على الدرع الثاني بعد ما وصلت القناة لملايين المتابعين، إحنا وصلنا في أربعة أيام فقط لـ 150 ألف متابع، هناك مقاطع في بدايتي وصلت لـ 5 و6 ملايين مشاهدة ".

إلى جانب صوته العذب يجيد إسلام الهندسة الصوتية: "اللى بيعملوا شغل المونتاج للقراءة أصحابي لكن الهندسة الصوتية أنا بضبطها بنفسي".

"في فترة ما شعرت أن هناك شبابا كثيرين حوالينا هجروا القرآن، قراءة واستماعا، حبيت أكون سبب ولو بسيط في عودتهم له مرة أخرى، بفرح لما صديقي يقول لي فلان رجع يسمع قرآن تاني بسبب صوتك وتعلق به، أنا أرى أن هذه هي المكافأة الحقيقية بالنسبة لي".. هذه الكلمات كانت إجابة فورية وقاطعة لإسلام حينما سألناه عن دور الجهات الرسمية في الدولة في دعمه أو مكافآت ربما حصل عليها من المحافظة، ليجيب بالنفي، مؤكدا على أنه تم تكريمه فقط في "عجمان" بالإمارات، فضلا عن خمسة عروض للمشاركة في العمل لقنوات القرآن الكريم الكبرى ببعض الدول العربية والخليجية تحديدا: "أنا مازلت عند رأيي أنا في المستقبل هاكون طبيب مخ وأعصاب بعون الله، والقرآن وسيلة للهداية وطمأنة النفس فقط، ولم أكن أعلم إنه ستكون هناك محاولات كثيرة لكني هستمر في رفضها، ومش هكون القارئ الشيخ مصدر الفتاوى".



الجريدة الرسمية