رئيس التحرير
عصام كامل

كامل زهيري يكتب: المعركة الاجتماعية

كامل زهيرى
كامل زهيرى

تتزايد أعداد السكان في جميع أنحاء العالم وتزداد حدة في بلادنا ويستلزم ذلك زيادة في الإنتاج من أجل نفقات المعيشة.

وكما كتب الكاتب الصحفى كامل زهيرى "رحل عام 2008" في مجلة روز اليوسف عام 1959 يقول: تشتد الحاجة إلى توفير مليون جنيه من هنا ومليون جنيه من هناك فيتوفر عندنا عدة ملايين نفذف بها في معركة الإنتاج.


إن فكرة ضغط النفقات عموما فكرة تبدو معقولة ولكنها ليست الحل الحقيقى والأخير لمشكلة الإسراف.

فالذين ينصحون بالاقتصاد والتوفير لا يعالجون أسباب الإسراف والتبذير العميقة والدائمة.. إنهم يشبهون جمعية منع المسكرات حين تنادى بالامتناع عن شرب الخمر.

وهذه المحاولات فشلت في الغالب لأنها لا تعالج المشكلة من الأساس، ولأنها تنظر إلى الإسراف وكأنه نزوة خلقية وطيش، والأسباب الحقيقية للإسراف غير ذلك.

فمثلا الأسباب الاجتماعية وهذه يجب أن نتغلغل معها وان نطاردها حتى نصل إلى جذورها أي إلى المجتمع نفسه، ولننظر مثلا إلى ماحدث في موسكو حين عرضت كريستيان ديور على نشاطها، لقد دهشت المرأة الروسية من التفنن والمغالاة والتحذلق في صنع الملابس الداخلية، واعتقدت أن هذا إسرافا غير معقول.

من هنا نرى أن الجو الاجتماعى نفسه هو الذي يحدد معنى الاسراف فما يبدو معقولا ومحبوبا في باريس يبدو إسرافا وجنونا ومغالاة في موسكو.

بل أن النظرة نفسها إلى الإسراف تتغير في نفس البلد في مرحلة اجتماعية معينة عنها في مرحلة اجتماعية أخرى، ففى الهند قبل الاستقلال كنا نرى المهرجانات وكانوا يتفننون في البحث عن وسائل لإنفاق أموالهم المكدسة، وكانت لهم يخوت تعبر البحار وبيوت على شواطئ الريفيرا ووسائل لالتقاط ملكات الجمال وكواكب السينما وتقاليد وفنون في الإسراف.

وإسراف المهرجانات في الهند ليس ترفا وعيبا شخصيا فحسب لكنه يرتبط بالوضع الذي كان في الهند حيث كان المهرجانات يملكون كل شيء وبقية الشعب لا يملكون شيئا.

الإسراف إذن مرتبط بالوضع الاجتماعى وهو نتيجة لتفاوت الدخل الشديد بين أفراد الأمة ونتيجة لخمول الأموال وتكدسها في بعض الأيدي.

نحن هنا في وسط معركة اجتماعية وامامنا هدف التصنيع وهدف نقل المجتمع من خموله الإقطاعي إلى نشاطه الصناعى، والذين يكدسون أموالهم ولا يقذفون بها في شجاعة في معركة الإنتاج والتصنيع يعيشون في مجتمع صناعى بمزاج اقتصادى.. وبدلا من أن يشتركوا في التصنيع يختارون أسهل الطرق وأقلها جهدا وهو بعثرة الأموال فيما لا يفيد.

وحين تتحرك الأموال من جمودها وتتوازن الدخول وتنفجر كل الطاقات سيختفى من عندنا مرض اسمه الإسراف والتبذير.
الجريدة الرسمية