رئيس التحرير
عصام كامل

إذاعة القرآن الكريم.. لماذا؟!


هذا حديثٌ قد لا يروقُ للبعض، وقد يسيء فهمَه كثيرون، ولكن لا ضيرَ، إنْ أريدُ إلا الإصلاحَ ما استطعتَ. حالُ إذاعة القرآن الكريم تسرُّ عدوًا، ولا تسرُّ حبيبًا. الجهودُ المبذولة، في ملف تجديد الخطاب الدينى، تُبددها إذاعة "القرآن الكريم"، بأداءٍ عقيمٍ، وفكرٍ سقيمٍ، جعلاها خارجَ نطاق الزمن.


أولُ إذاعةٍ دينيةٍ على مستوى العالم الإسلامىِّ، تقفُ الآنَ عاجزة عن مواكبة الزمن، تخرجُ من فشلٍ إلى فشلٍ، تتعاملُ مع ما يُوجَّهُ إليها من نُصحٍ وإرشادٍ بعنادٍ شديدٍ، وتتعاطى مع من ينتقدون أداءَها باستعلاء غريب، فيما تقدمتْ عليها إذاعاتٌ دينية شابة، أحدثُ منها عهدًا، بما تقدمه من أداءٍ رصينٍ مُتطورٍ ومُبتكرٍ.

يُخطئ مسئولو إذاعة "القرآن الكريم"، عندما يرون أنفسَهم فوقَ مستوى النقد؛ فهم ليسوا ملائكةً، ولكنهم بشرٌ أمثالنا، يُخطئون ويصيبون، ويجبُ تنبيهُهم وتقويمُهم، عندما يقصرون أو يخطئون، أو لا يدركون المسئولية المنوطة بهم، ولا يُقدرونها حقَّ قدرها.

المُتابعُ لأداءِ الشبكة، خلالَ السنواتِ الأخيرة، لا يساورُه أدنى شكٍّ، في أنها حادتْ عن الطريقِ المرسومِ لها، وشغلتْ نفسَها بما لا يليقُ بها، ما أفقدَها صوابَها، وقلَّلَ كثيراَ من قدرها، في عيون وقلوب مَن شبَّوا على الاستماع إلى تلاواتها وبرامجها ومذيعيها الأكابر، قبلَ أنْ يصيبها ما أصابَها من وهنٍ وضعفٍ، فصارتْ مُنفرة، بعدما كانتْ تتمتعُ بجماهيريةٍ لا نظيرَ لها، وخرجتْ مشاكلها وأزماتُها المتعددة إلى وسائل الإعلام.

إذا كانتْ إذاعة "القرآن الكريم" أُنشئتْ في الأساس لبثِّ التلاوات القرآنية بأصواتِ عباقرة القراء، ومَنْ أسَّسوا "دولة التلاوة"، فإنه يمكنُ القولُ، بأنَّ الأصواتَ الحسنة توارتْ، والتلاواتِ النادرة تلاشتْ، وأنَّ الإذاعة تحولتْ إلى "بابٍ خلفىٍّ" لأصحاب الأصوات الرديئة والباهتة والمُنفِّرة؛ ليتكسبوا ماديًا من وراء اعتمادهم بالإذاعة والتليفزيون، بُطرُق لا تخفى على أحدٍ؛ حيث تتضاعفُ أجورُهم في المآتم والمناسبات التي يُدعون إليها.

ولم يعدْ غريبًا أنْ تطاردَكَ هذه الأصواتُ الرديئة والباهتة في الصباح والظهيرة والمساء، ولا تكادُ تستمعُ عبرَ أثيرها الممتد على مدار 24 ساعة، إلى واحدٍ ممن يجمعون بين حُسن الأداء وجمال الصوت، إلا قليلًا. ويبدو أنَّ الأمور لا تُدارُ على ما يرام، فطالما اشتكى القراءُ من غياب العدالة والشفافية، سواءً في توزيع الأمسيات أو قرآن الفجر، والفعاليات والاحتفالات المختلفة!

على صعيدِ البرامج، فإنَّ كثيرًا منها يُشبهُ بعضُه بعضًا، على مستوى الفكرة والمضمون والضيوف، فضلًا عن النمطية التي تجتاحُ معظمَ هذه البرامج، ما يعكسُ حالة من الكسل المهنىِّ غير المُبرر. كما أنَّ هذا البرامجَ –في مُجملها- لا تواكبُ الجهودَ المبذولة في تجديد الخطاب الدينى؛ حيث تصرُّ إصراراَ غريبًا على إذاعة الروايات الضعيفة، والمرويات الشاذة والمثيرة للجدل، والتي يتلقفها صغارُ العقول والنفوس وأدعياء ومُرتزقة التنوير، ويتخذونها سخريًا وهزوًا، وذريعة للطعن والغمز واللمز في الإسلام!

برامجُ إذاعة "القرآن الكريم"، تحتاجُ إلى ثورةٍ حقيقيةٍ لتطويرها والارتقاء بمستواها، واستبعاد المُكرر والضعيفِ وغير المُناسب منها، بغضِّ النظر عن أسماء مُقدميها، والبحثِ عن "مضامينَ جديدةٍ ومُبتكرة"، تناسبُ جميع الفئاتِ العُمريةِ، وقادرةٍ على تربية وتهذيب مُستمعيها ورفع مستواهم الفكرى والعقلى، في ظلِّ ما يجتاحُ المجتمعَ المصرىَّ، من مظاهرَ غير مسبوقة من الانحراف الأخلاقى، سواء بسبب غياب دور الأسرة أوالمدرسة، فضلاَ عن الأعمال الفنية التي لا تنتصرُ لقيمةٍ أخلاقيةٍ، وتروجُ لكلِّ ما من شأنهِ إفسادُ المجتمع، وتنشئة أجيالٍ لا تعرفُ شيئًا مذكورًا عن صحيحِ دينها.

لا يجبُ أنْ تكونَ برامجُ إذاعة "القرآن الكريم"، أشبهَ بما يقدمُه الصغارُ بالمدارس الريفية في الإذاعة المدرسية. لا ينبغى أن يكونُ المذيعُ حافظًا وليسَ فاهمًا أو مُتفاعلًا في الحوار مع ضيوفه.. هل يصحُّ أنْ يقتصرَ دورُ المذيع على قراءة مُقدمةٍ كلاسيكيةٍ لا تتغير أبدًا، ثم طرحِ موضوع الحلقة، وتقديم الضيف، وتركه يتكلم كما يشاءُ، حتى ينتهى، ثم يقولُ للجمهور: "السلامُ عليكم"؟! بعضُ المذيعين يكررون مقدماتٍ ثابتة لا تتغيرُ، سواء في تقديم الفقراتِ الإذاعية، أو عندَ نقلِ الأمسيَّاتِ الدينية.

يمكنُ القولُ إنَّ إذاعة "القرآن الكريم" تحولتْ إلى إذاعة "الإسكريبت الواحد"، الذي لا يتغيرُ عامًا وراءَ عامٍ.

شغلتْ إذاعة "القرآن الكريم" نفسَها، في السنواتِ الأخيرةِ، بالشأن السياسي، وخاضتْ فيه خوضَ الجاهلين، وأخضعتْ بعضًا من برامجها للسياسة وأشياءَ أخرى، فأضافتْ إلى سجل خطاياها خطيئة جديدة لا تُغتفرُ، فتحاكى بسيرتها الركبان، وكتبتُ بحقِّها المقالاتُ الساخرة والهازئة!

إنْ لم يكنْ مسئولو إذاعة "القرآن الكريم"، يدركون المسئولية الملقاة على عاتقهم، فيجب أنْ يُخبرَهم أهلُ الرشاد، بأنْ يراجعوا أنفسهم، ويؤمنوا بأنَّ إذاعتهم الرائدة تمثلُ الذراعَ الأقوى في منظومة "الإعلام الدينى" في مصر، وهى مهمة ليستْ يسيرة، بل ثقيلة جدًا، ولنْ تتحققَ بهذا المستوى المُتردِّى والمُتدني..
الجريدة الرسمية