رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الإبداع والمخدرات "1"


بعيدًا عن التأثيم الدينى والقانونى لإدمان المخدرات.. فإن هناك سؤالًا، أظنه وجيهًا، يجب طرحه: هل المخدرات تساعد على الإبداع والتميز وتوهج العقل؟


قبل أيام.. أوقفت الشرطة مخرجًا سينمائيًا معروفًا، بمطار القاهرة، بتهمة حيازة بعض أنواع المخدرات؛ بغرض التعاطى. وقبل أقل من عامين.. ألقت الشرطة القبض على مخرج سينمائى آخر، أمام أحد فنادق الجيزة؛ على خلفية حيازته مخدرى الهيروين والحشيش، بغرض التعاطى أيضًا.

وهذه النوعية من الأخبار لا تتوقف ولا تنتهى، وأرشيف المحاكم والصحف يشهد على تورط فنانين وحبسهم، بسبب تورطهم في وقائع مشابهة. وبعيدًا عن الاجتهادات الشخصية، والكلام المُرسل، هل إدمان المخدرات بالفعل قادر على تفجير ينابيع الإبداع وتنمية روافده وزيادة نشاط العقل، وهل العلم يؤكد ذلك، أم أن الأمر لا يعدو كونه أوهامًا وتخاريفَ وأساطيرَ؟

المفاجأة.. أننى عندما طرحتُ هذا السؤال تخيلتُ أننى سوف أجد دراسات ومراجع وكتبًا كثيرة، تناولت هذه الظاهرة، وأجابت عنها بشيء من التفصيل والتدقيق، إلا إننى لم أجد إلا محاولات غير ناضجة وغير مكتملة، رغم شيوع الظاهرة وقدمها.

قبل الخوض في تفاصيل التحليل العلمى لهذه الظاهرة، لا يجب أن ننسى أن هناك مشاهير من الكتاب والفنانين والمبدعين ارتبطت أسماؤهم بتناول المخدرات والخمور، مثل: الكاتب "إدجار آلان بو"، الذي كان مدمنًا للخمور، والشاعر "بودلير"، صاحب ديوان "أزهار الشر" الذي أدمن "الأفيون"، وكذلك الشاعر الإنجليزي "كلوريدج"، والروائي العالمي "همنجواي"، والفنان التشكيلي "جاكسون بولوك".

وفى الأوساط الثقافية والفنية المصرية، هناك أسماء كثيرة أيضًا من الشعراء والكتاب والروائيين والفنانين، بعضهم توفاه الله، وبعضهم لا يزال حيًا يُرزق و"يضرب المخدرات". وإذا سألتَ أيًَّا منهم عن السر وراء حرصه على جلب المخدرات وتناولها، سوف يجيب من فوره: إنه يفعل ذلك، لأنها تمنحه القدرة على التميز والتألق والإبداع وصناعة البهجة. في الوقت الذي لا يفكر كثير ممن يفوقون هؤلاء إبداعًا وتألقًا وتوهجًا يومًا في تجربة السجائر أو الشيشة، فضلًا عن تمتعهم بصحة جيدة، وربما بأعمار أطول!

بحسب التقارير والأبحاث والدراسات النفسية المُتاحة، فإن الربط بين الإبداع وتعاطي المخدرات قائمٌ على عدة مغالطات منطقية. وتكمن المغالطة الأساسية في جهل من يتبنى هذا الطرح، بحجم الاضطرابات التي يعاني منها هؤلاء المبدعون بالفعل في حياتهم؛ إذ إن إدمان المخدرات يُحدث الكثير من الاضطرابات النفسية لدى الشخص المُتعاطي، قد تصل بمرور الوقت، إلى التدهور العقلي العام الذي يحدث نتيجة فقدان المُتعاطي بالتدريج للنشوة التي تُحدثها الجرعات التي اعتادها، ومع زيادة جرعات المُخدر تزداد احتمالات حدوث الاضطرابات والمشكلات العقلية التي قد تصل لإعاقة قدرة الشخص عن تأدية أدواره الاجتماعية والمهنية، وأحيانًا إنهاء حياته بصورة مأساوية، والنماذج كثيرة جدًا، محليًا وعالميًا.

وتطالب الدراسات النفسية بأنه لا يجب أن نكتفي بمراقبة المبدعين "المدمنين" الذين أبدعوا، دون النظر إلى المبدعين الذين أخفقوا بسبب إدمان المخدرات، كما لا يجب أن نتغاضى عن الفروق بين إنتاج المبدعين تحت تأثير التعاطي وإنتاجهم وهم بعيدون عن هذا التأثير، فالكثير من الفنانين أنتجوا أفضل أعمالهم حين تخلصوا من التعاطي، مثل: الفنان التشكيلي "جاكسون بولوك" الذي أبدع أشهر أعماله بعد خروجه من مصحة لعلاج الإدمان.
Advertisements
الجريدة الرسمية