رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى "بَشير عيَّاد"


في هدوءٍ مُعتادٍ.. مرَّتْ الذكرى الرابعة لرحيل الشاعر والمُبدع الكبير "بَشير عيَّاد"، الذي رحل عن دُنيانا في السابع عشر من أغسطس 2015، عن عُمرٍ ناهزَ 55 عامًا، بعد مسيرةٍ عمليةٍ وإبداعيةٍ ناجحةٍ ومُتميزةٍ ومُدهشةٍ.


كانَ "بَشير عيَّاد" صرخة في وجه الرداءة، كما وصفَه الشاعرُ الراحلُ "فاروق شوشة"، لذا توافرتْ في جميع أعماله، شعرًا كانت أو نثرًا، عناصرُ الجودة والجمال والرُّقى والذوق الرفيع.

كان أبناءُ جيلِه يرون في موهبته "لُغزًا مُحيِّرًا"؛ ربما بسبب نُضجِها المُبكر جدًا، وتكامُلِها، واستمرارها، بل وتوهجِها الدائم، فلا يكادُ الناقدُ المحترفُ غيرُ المُغرضِ، يجدُ عملًا ممهورًا باسم "بشير عياد" دونَ المستوى، أو ضعيفًا، أو متوسط الجودة.

تجوَّلَ "بَشير عيَّاد" بحُرِّيةٍ شديدةٍ، في دروبِ الكلمات، وجمعَ بينَ الأصول العربيةِ للكلمةِ والألفاظِ الرصينةِ، واتخذ منبعَ كلماته ما بين الفُصحى والعاميَّة، ليستحقَّ من خلالها لقبَ "الشاعر الموسوعى"، كما أطلق عليه المقربونَ منه؛ على خلفيةِ ثقافتهِ الواسعةِ، بعدَ ما قدَّمَ مجموعة كبيرة من الدواوين الشعرية والأعمال النقدية والفنية.

أبصرَ "بَشير عيَّاد" النورَ في العام 1960، وتخرَّجَ في كلية الحقوق، بجامعةِ الإسكندرية في العام 1982، ليلتحقَ بعدَها بالعملِ الصحفىِّ في مجلة "كاريكاتير"، التي أسَّسها الراحلُ "مصطفى حسين"، وتألق من خلالها، وحققَ شُهرة طاغية؛ لا سيَّما أنَّ الأخيرَ كان يحرص بنفسه على رسم صورة المقال المصاحب لكلمات الشاعر الراحل، الذي كان في عنفوانه يومئذ.

وخلالَ فترةٍ وجيزةٍ جدًا.. وطَّدَ "بَشير عيَّاد" علاقته مع عددٍ من المُلحنين والشعراء والفنانين؛ ليدخلَ بعدَها مرحلة جديدة، قدَّمَ فيها عددًا من الأعمال التي تغنَّى بها مجموعة من نجوم الغناء مثل: هاني شاكر، محمد ثروت، على الحجَّار، محمد الحلو، نادية مصطفى، حمدي هاشم، ريهام عبدالحكيم، هالة الصباغ، مي فاروق، إسلام الأمير، السعودى حسين قريش، البحرينى عادل محمود، والتونسى محمد على الزوالي. كما لحَّنَ كلماتِه مُلحنونَ كثيرون أمثال: عبد العظيم محمد، منير الوسيمي، عمَّار الشريعي، سامي الحفناوي، على سعد، عماد الرشيدي، أحمد الحجّار، إبراهيم نصير، وهاني شنودة.

إبداعاتُ "بَشير عيَّاد" توسَّعتْ وتمدَّدتْ إلى حزمةٍ كبيرةٍ من المطبوعاتِ الصحفيةِ المُهمة، لا سيَّما المعنيةَ بالشعر والثقافةِ والنقدِ الفنىِّ والكتابة الساخرة، فكتبَ في: "الثقافة الجديدة" و"الكواكب" و"أخبار الأدب" و"الأهرام العربى"، فضلًا عن بعض الصحفِ العربيةِ المُهمةِ، كما كانَ من أوائل الكُتَّاب والمُبدعين الذين شهدوا مولد "فيتو"، حيثُ أثرى صفحاتِها بإبداعاته المُتنوعة والمُختلفة، منذ صدور العدد الأول، حتى توفاهُ اللهُ.

كما كان، فضلا عن ذلك، مؤرخًا وناقدًا فنيًا، لا يُشقُّ له غبارٌ، حيثُ قدَّمَ مئاتِ الحلقات للإذاعة والتليفزيون "ماسبيرو" بلا مُقابل، وكان يمتلكُ زمام الفصحى امتلاكًا لا يُضاهيهِ فيه أحدٌ، كان حريصًا على اللغة العربية، فلا يكادُ يُلحنُ في خطأ صغيرٍ ولا كبيرٍ.
وبموازاة ذلك كله.. قضى "بَشير عيَّاد" 18 عامًا من حياته القصيرة، في جمع تسجيلاتٍ نادرةٍ عن كوكب الشرق "أمِّ كلثوم"؛ لإنجاز موسوعةٍ ضخمةٍ تضمُّ معلوماتٍ فنية ومقالاتٍ نقدية عنها وعن شعرائها ومُلحنيها في سبعة مجلداتٍ بعنوان "جماليات النص الكلثومى".

وفى خواتيم حياته.. أنشأ "بًشير عيَّاد" صالونَه الثقافىَّ، بوسطِ القاهرة، الذي سرعانَ ما تحولَ، خلالَ فترةٍ وجيزةٍ جدًا، إلى مُلتقى للإبداع، ومقصدًا للموهوبين والمثقفين الحقيقيين.

كان "بَشير عيَّاد" مبدعًا جادًَّا في زمنٍ جفَّتْ فيه ينابيعُ الإبداع، ورجلًا في زمنٍ عزَّ فيه الرجالُ، لا ينافق أحدًا ولا يداهنُ مسؤولًا، يضعُ كرامتُه فوق كلِّ اعتبارٍ، مُخلصًا لما يعملُ، مُتفانيًا فيه، لا يأبهُ بغيرِه، ولا يدخلُ في مهاتراتٍ مع أحدٍ، ولا يخوضُ مع الخائضينَ.. رَحمَهُ اللهُ رحمةً واسعةً.
الجريدة الرسمية