رئيس التحرير
عصام كامل

دراجة لكل مواطن.. هل تنجح المبادرة؟


انطلق التاكسي بينما جلست في مقعدي محاولًا الانشغال عن السائق بمراقبة الطريق، أرد على أحاديثه التي يبادر بعرضها بكلمات مقتضبة أو بهزة رأس بسيطة توحي بأنني استمع له، أحيانًا يتوقف الكلام في حلقك، لا ترغب في إطلاق سراحه أو الاستماع إلى المزيد منه، بينما معظم السائقين عبارة عن ماكينة حكايات متنقلة إذا سمحت بفتحها فلن تستطيع إغلاقها إلا مع مغادرة السيارة وإحكام إغلاق الباب..


ولكن ما جعلني يومها أغادر حالة الصمت وأبادر بالحديث كان محاولات سائق التاكسي المستمرة لاختصار المسافة عبر الدخول في شوارع غير مصرح لنا بالمرور عبرها.. يرغب في اختصار الوقت بالسير عكس الاتجاه أو الدوران من غير المكان المسموح به، وعندما قمت بتنبيهه بضرورة السير في الطريق المعتاد.. برر الأمر بأنه لا يوجد عسكري مرور في هذا المكان.

استند إلى منطق غريب في تبرير المخالفة وهو عدم قدرة القانون على إثباتها!

هذا الموقف جعلني أتذكر الأرقام التي أعلنتها الإدارة العامة للمرور مؤخرًا، فقد ضبطت نصف مليون مخالفة مرورية في عشرة أيام فقط.. تأمل معي الرقم مجددًا (نصف مليون مخالفة في عشرة أيام بمعدل خمسين ألف مخالفة في اليوم أو نحو 35 مخالفة في الثانية الواحدة) لذلك بعد قراءتك هذا المقال تأكد أنه قد تم تحرير مئات المخالفات المرورية، بينما استطاع آخرون الهروب بمخالفاتهم دون ضبطهم.

المخالفات لا تقتصر بالطبع على أصحاب سيارات الأجرة، ولكنها تشمل جميع المركبات، وهو ما يجعلني أفكر في طرح هذا الاستفسار: هل طبيعتنا كشعب نرفض إطاعة القوانين أو نرغب في تجاوزها طالما هناك فرصة للإفلات من العقاب؟

هذه الأفكار راودتني بينما كنت اقرأ عن مبادرة أطلقتها وزارة الشباب والرياضة بعنوان "دراجة لكل مواطن" وأخرى بعنوان "دراجة لكل طالب" أطلقتها وزارة التعليم العالي، وتستهدف هذه المبادرات تغيير ثقافة الانتقال اليومي للمواطنين.

ولا أعرف ما الذي يجعل الذكريات تتداعي واحدة تلو الأخرى، حيث تذكرت زيارة سابقة لكوبنهاجن، والتي شاهدت بها اعتماد المواطنين على الدراجات باعتبارها من وسائل الانتقال الأساسية التي تدعمها بنية تحتية مجهزة في صورة حارات للمشاة والدراجات والسيارات.. وشوارع جانبية لا تدخلها إلا الدراجات، ويدعمها ثقافة مواطن يحترم القوانين ولا يخالفها، وإشارات لا تحتاج إلى ضابط مرور لمراقبتها، حيث الجميع يعلم حدوده ولا يتجاوزها.. وإن تجاوزها فهناك عقاب رادع.. عندما تتوفر هذه العناصر سيصبح السير بالدراجات له مكاسبه على المستوى الصحي بجانب تقليل استهلاك الوقود وحماية البيئة، بالإضافة لتقليل التكاليف السنوية للتكدس المروري، والتي تقدر في القاهرة وحدها بقرابة 50 مليار جنيه سنويًا وفقًا للبنك الدولي.

ولكن هل ثقافتنا المصرية تتشابه مع ثقافة المواطن الدنماركي.. وهل البنية التحتية في مصر مؤهلة لذلك المشروع وتسمح بنجاح هذه التجربة؟!

أستطيع أن أجزم أنك تعرف هذه الإجابة عزيزي القارئ فأنت تواجهك بعض الأرصفة الممتلئة بالباعة أو تحتلها المطاعم والكافيهات، بحيث أعاقوا سير المشاة لدرجة أننا قد لا نستطيع التفكير جديًا في تطبيق هذه المبادرة إلا في بعض المدن الجديدة.. وأذكرك إذا كنت قد شاهدت فيديو انتشر مؤخرًا لذلك الرجل الذي صدمته سيارة بعد أن اضطر للنزول من الرصيف الذي استخدمه أحد المحال لشحن وتفريغ البضائع المحملة على السيارات؟!

على المستوى الشخصي تذكرت حادثة تعرضت لها قبل سنوات في أحد أهم شوارع القاهرة الرئيسية، فبينما أسير على الرصيف لأتجنب السيارات قام سائق الموتوسيكل بالاصطدام بي من الخلف.. لحسن الحظ لم أصب بأضرار بالغة، لكن الأمر كان مفزعًا حيث لم أتوقع أن من واجبي النظر خلفي أثناء سيري فوق رصيف مشاة لا يبتعد إلا دقائق عن القصر الجمهوري!

أما قبل أسابيع فقد كنت أسير بعكاز بعد حادث آخر تسبب في كسر ساقي، ويؤسفني أن أخبرك أنه حتى الرصيف بجوار منزلي كان يمتلأ بسيارات الدفع الرباعي المرتفعة التي تمكنت من الصعود فوقه لاستخدامه باعتباره "جراج" بينما لم أتمكن أنا وعكازي من استخدامه واضطررت للسير في طريق السيارات على أمل ألا يصدمني أحدهم مجددًا.

تطبيق المبادرة لا يجب أن ينحصر في إتاحة الدراجات بأسعار مناسبة مع إمكانية التقسيط، والتي تعد أحد المقترحات الجيدة التي تسهل الحصول على الدراجة بينما ما يعيق استخدامها فعليًا هو الحاجة لتجهيز البنية التحتية، وتمهيد الشوارع، وتقسيم الحارات للمشاة والدراجات والسيارات.. وتوفير أماكن مخصصة لركن هذه الدراجات حتى لا يتحول الأمر لسيطرة "السياس" وبلطجتهم على المواطنين..

والأهم تفعيل القوانين وتعديل ثقافة المواطنين لاحترام ركوب الفتاة للدراجة دون التحرش بها، واحترام الحارات المرورية حتى لا يفاجئ سائق الدراجة بأحد الباعة الجائلين في مواجهته أو بعبور أحدهم للحارة المخصصة له في وقت يفضل البعض أن يعبر طريق السيارات مجازفًا بحياته بدلًا من استخدام كوبري المشاة أو النفق المخصص لذلك.. نحتاج المزيد من التخطيط والإعداد للبنية التحتية، وتعديل الثقافة قبل إطلاق المبادرة وتنفيذها إذا أردنا تحقيق النجاح.
الجريدة الرسمية