رئيس التحرير
عصام كامل

«جنون إخوان الإرهاب».. الأذرع العسكرية للجماعة نقلوا مسرح العمليات إلى العاصمة والمحافظات المجاورة.. تراجع عدد الهجمات يثبت هزيمة خفافيش الظلام.. والمحاصرة الدائمة تثبت نجاحها

شعار الإخوان المسلمين
شعار الإخوان المسلمين

لن تهدأ جماعة الإخوان الإرهابية، حتى تنتهي وتباد بأسرع وقت ممكن، عقيدة التفجير والإرهاب التي كشفت عنها أزمة السنوات الثمانية الماضية، تؤكد نزعة العنف لدى أبناء التيار الديني، التي تتزعمه الجماعة، وتؤكد في اتجاه مقابل، أن الدولة المصرية، لن تبارح مكانها حتى تنزع نبتة الإرهاب والتطرف من البلاد، وتصفية مجموعة من الإرهابيين، فور وقوع حادث انفجار معهد الأورام، في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن في محافظة الفيوم، أبرز دليل على ذلك.


معهد الأورام
قبل أيام، كانت وزارة الداخلية المصرية، تكشف الحقيقة السوداء، التي لم يتخيلها أشد المتشائمين، والناقمين على الجماعة، وأثبتت بالفيديو والتوثيق قيام مجموعة من المنتمين للذراع العسكري للجماعة، بتفخيخ سيارة، وتفجيرها أمام معهد السرطان، مساء يوم 4 أغسطس الماضي، ما أسفر عن مقتل نحو 20 شخصًا وإصابة العشرات، وجرح إنساني جديد، وغضب تجاه هذه الجماعات الإرهابية، لن يضمده أي مناورة منهم للعودة من جديد.

على مدار الأعوام القليلة الماضية، وبعد سيطرة الدولة شبه الكاملة على شمال سيناء، باستثناء بعض العمليات الإرهابية التي تحدث على فترات متباعدة، أقدمت الأذرع العسكرية للجماعة والمتعاونون معها من التيارات التكفيرية، على نقل مسرح العمليات للعاصمة والمحافظات المجاورة، من استهداف مراكز وقوات الأمن، إلى المواقع والرموز الدينية والمجتمعية المعروفة بتأييدها للدولة المصرية، إلى التجمعات العامة الكبيرة والأماكن التي يزورها الأجانب، ولم تستثن في ذلك شهر رمضان وأعياد الميلاد، والعطلات الرسمية، استهدفوا السياح والمسلمين والمسيحيين، هم أعداء للحياة ومن عليها، وهكذا تثبت تصرفاتهم وإرهابهم دائما.

تاريخ العمليات
ما نقوله ليس مجرد كلمات متراصة، ولكنها رصد للأحداث التي حدثت على مدار الأشهر الماضية فقط، ففي 4 أغسطس 2019، قتل 20 شخصًا على الأقل في انفجار سيارة مفخخة في حي المنيل بوسط القاهرة، وقبله في 19 مايو 2019، أصيب 16 شخصًا على الأقل بعد هجوم بالعبوات الناسفة على حافلة سياحية بالقرب من أهرامات الجيزة، وقبلهما في 18 فبراير 2019، قتل 3 من رجال الأمن على يد انتحاري في منطقة الدرب الأحمر بوسط القاهرة، وهذه نوعية الهجمات التي حدثت خلال الأشهر الماضية فقط،.

وبالعودة إلى النصف الثاني من العام الماضي، سنجد الجماعة وأذنابها استهدفوا في 28 ديسمبر 2018، 3 سياح فيتناميين ومرشدا سياحيا محليا في حافلة بالقرب من أهرامات الجيزة، وأصيب آخرون في الهجوم، وقبله بنحو شهر واحد، في 2 نوفمبر 2018، فتح مسلحون النار، على حافلة تقل مسيحيين مصريين في محافظة المنيا، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص، ولم تنته الهجمات الإرهابية على شمال سيناء، رغم تركز الأحداث في محيط القاهرة الكبرى، وتنوعت بين الركن الشمالي الشرقي للمحافظة بين مدينة العريش والحدود مع غزة، ومع هذا القصف، يخرج إعلان الإخوان ليلا، ليشنع على اضطرار الدولة لإعلان حالة الطوارئ في شمال سيناء، وفرض حظر التجوال، للسيطرة على الهجمات، التي تتركز معظمها ضد المنشآت الحكومية، والعسكرية، وقتل الأفراد على الهوية، لمجرد تأديتهم الخدمة العسكرية في جيش بلادهم.

الأهداف
الهدف الرئيسي من مجمل الأحداث الإرهابية الدائرة، الاستمرار في توجيه ضربات قاسية للدولة المصرية، والضغط عليها، لاتخاذ مواقف أقل تشددا من التعامل مع تغلغل الإرهاب في أنسجة المجتمع المصري، وترك التيارات المختلفة تعمل بأريحية كما كانت في السابق، خاصة في ظل تحالف الإخوان، والجماعات العسكرية المنبثقة عنها، مع تنظيم القاعدة وداعش، لزرع الإخوان في شبه جزيرة سيناء من ناحية، ونقل عملياته النوعية داخل القاهرة في اتجاه آخر.

ويمكن التأكيد على أن خطة التيارات الدينية الإرهابية وفي مقدمتها جماعة الإخوان، تريد خلق أجواء من الخوف والذعر، وتفجير صراع طائفي اجتماعي بين المصريين، وهو السبب في استهداف مسجد الروضة، وقتل 300 مُصلٍّ، ونقل معسكر العمليات إلى حلوان، والكنائس، في محاولة لابتزاز الجيش لوقف العملية العسكرية الشاملة التي قادتها القوات المسلحة المصرية ضد الجماعات الإرهابية، وساهمت بشكل كبير في انخفاض الأنشطة الإرهابية عن معدل السنوات الماضية، وكسر شوكة التيارات، خاصة بعد تعاون المواطنين بجدية مع قوات الأمن في مواجهة العناصر الإرهابية، وساهم ذلك في تمكين الأمن من توجيه الهجمات التي أثرت بشدة على بنية الجماعات، ليس فقط على مستوى القيادي، والعناصر تلك الجماعات، ولكن أدى ذلك أيضًا إلى شل الجماعات والعناصر الإرهابية المتعاونة مع داعش.

الأذرع العسكرية
على المستوى التقني، ما زالت الأذرع العسكرية للجماعة غير قادرة على الابتعاد كثيرًا عن الهجمات التي تشنها بقنابل بدائية الصنع، فشل بعضها في تحقيق أهدافه القاسية التي كانت مخططة مسبقا، ويدل على ذلك تراجع عدد الهجمات إلى حد كبير مقارنة بالسنوات السابقة، إذ شهد عام 2014 نحو 222 هجومًا، و199 هجومًا في عام 2016، و50 هجومًا في عام 2017، وبالتبعية انخفض عدد ضحايا الإرهاب، ما أجبر الجماعات المتطرفة على اللجوء إلى التفجيرات الانتحارية لإثبات وجودهم.

وعندما فشلت أيضا في هذا الاتجاه، عادت خلال العام الماضي، إلى استخدام العبوات الناسفة، وقبل هذه السنوات، كانت التيارات الإرهابية مشتركة، تملك بنية تحتية كبيرة، من مخابئ وأنفاق ورواسب الأسلحة، ومنها هربت قيادات الجماعة إلى غزة وبعض الدول المجاورة لتمارس إرهابها من الخارج.

كما كانت تملك عددا كبيرا من سيارات الدفع الرباعي المجهزة للقتال، دمرت منها المؤسسات الأمنية، 1086 سيارة و1000 دراجة نارية، وتم تحييد شخصيات قيادية في الخط الأول والثاني بفرع داعش في سيناء، وتحاول الأذرع العسكرية للإخوان، إيجاد حلول مباشرة للمحاصرة الدائمة لها من الأمن، ما أضعفها، هي والجماعات المرتبطة بها، في جميع أنحاء مصر، من جراء الضربات الوقائية التي وجهت لهم، سواء بالاستهداف المباشر في ساحة العمليات، أو القبض الاستباقي على العناصر الإرهابية، والاستهداف الدائم للمخابئ، ولا سيّما في الصحراء الغربية وبعض المدن الجديدة في ضواحي القاهرة، والسيطرة على تحويل الأموال من الخارج إلى مصر، التي كانت تساهم في تمويل هذه المجموعات.

حلم التفاوض
مختار نوح، الخبير في شئون الجماعات الإسلامية، يرى أن الإخوان يواصلون عملياتهم الإرهابية بسبب وجود أمل لديهم في التفاوض وتوسط بعض الدول لإنقاذهم من الحرب التي تدور رحاها ضد الإرهاب، لأنهم خسروا الماضي والحاضر، ولا يريدون خسارة المستقبل، متوقعا انتهاء جماعة الإخوان خلال أربع سنوات بسبب وقف التمويل عنهم من الغرب وحلفائه.

وأوضح أن الإخوان والجماعات الإرهابية تساعد الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الغربية في تحقيق ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الجديد" مقابل الحصول على دعم منهم لتنفيذ أعمالهم الجبانة، مشيرا إلى أن دعم دول الغرب للإخوان تسبب في خسارة اقتصادية لها وتشويه سمعتها في منطقة الشرق الأوسط، كما أدى إلى تدخل روسيا في المنطقة وهو المنافس الأول للولايات المتحدة الأمريكية.

وأشار "نوح" إلى أن دول أوروبا والولايات المتحدة تقوم بتمويل الإخوان عن طريق قطر وهي أشبه بولاية أمريكية أعطت لها الولايات المتحدة الضوء الأخضر لتمويل الجماعات الإرهابية في المنطقة وخاصة الإخوان، ثم اتضح للعرب الآن أن أمريكا لا تكافح الإرهاب بل تموله، ولو أرادت أمريكا وقف الإرهاب لأصدرت أوامر لقطر بمنع تمويل الإرهاب، ولنفذت قطر فورا وقامت بطرد عناصر الجماعة من البلاد.

ولفت "نوح" إلى أن الجماعة انقسمت إلى ثلاثة أقسام، اثنان منهما لا يحصلان على تمويل، والقسم الثالث يمول، مشيرا إلى أن الإخوان والجماعات الإرهابية تخوض حربا غير متكافئة ضد الدول ومؤسساتها في الشرق الأوسط. مضيفًا: "في سوريا ستنتهي الحرب ضد الإرهاب خلال سنة، كما أن مصر ستتقدم خطوات للأمام لإقامة اتفاقات استراتيجية مع دول عربية من أجل الدفاع المشترك ومكافحة الإرهاب، وهذا سيجعل الجماعة محاصرة في كل الدول العربية، مثلما حدث في الكويت، وقيام السلطات الكويتية بإلقاء القبض على الخلية الإرهابية هناك وترحيل عناصرها إلى القاهرة".

وأردف الخبير في شئون الجماعات الإسلامية: وزارة الداخلية تقوم بواجبها على أكمل وجه، وبدأت في استخدام أساليب حديثة في تعقب الإرهابيين ومراقبتهم، ومن خلال تحليل الـ"D N A" وتتبع الأدلة وإثباتها من دون تعذيب مثل العهود الماضية، مشيرا إلى أن مكافحة الإرهاب لا تنحصر في وزارة الداخلية فقط، بل في وزارات ومؤسسات أخرى ومنها وزارة التربية والتعليم من خلال تدريس قيم التسامح والتعددية للتلاميذ في المدارس.

وأضاف الخبير في شئون الجماعات الإسلامية، أن المسلمين بدأوا حاليا الابتعاد عن الفكر الإسلامي واتجهوا إلى القرآن الكريم لدراسته، معتمدين على أنفسهم في فهمه واستنباط أحكامه، متابعًا: "القرآن الكريم كتاب واضح بيّن يفسر بعضه بعضا"، مشيرا إلى أن جمود الأزهر وغلق باب الاجتهاد فيه رغم أنه على المذهب الأشعري، أدى إلى هجر المسلمين لهذه المؤسسة العريقة.

المواجهة الثقافية
وأكد "نوح" أن هناك جهات أخرى يجب عليها أن تؤدي دورا في مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف ومنها وزارة الثقافة، وقال: "وزارة الثقافة دمرت جيلا بأكمله وهو الجيل الحالي، لأنها لا تؤدي دورها المنوط بها في تثقيف الشعب وخاصة النشء وحمايته من الأفكار الهدامة"، مضيفًا: "كانت وزارة الثقافة هي الأساس في توعية الشعب في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ولكن دورها تراجع بشكل ملحوظ الآن فيما تقدمه من محتوى، وهي تحتاج إلى إعادة هيكلة وسيأتي دورها في ترتيب إصلاح مؤسسات الدولة"، وطالب وزارة الثقافة بنشر كل ما يحض التسامح والإسلام الوسطي، وأكد "نوح" أن الإعلام والسينما عليهما دور كبير في تشكل وعي النشء.

وتابع أنه بمقدور السينما إنتاج محتويات هادفة، وأبرز دليل على ذلك تقديم محتوى هادف مثل فيلم "الممر" الذي يهدف لزيادة الانتماء للوطن، مضيفا أنه إذا توافرت الإرادة لدى الدولة لأنتجت عشرات الأفلام الهادفة مثل فيلم الممر.

وانتقد الخبير في شئون الجماعات الإسلامية، أداء وزارة الخارجية وأكد أنها لا تتابع الفعاليات والتجمعات التي تقوم بها الجاليات المصرية في الخارج، وقال: "في الفترة الأخيرة عقد لقاء في الكونجرس الأمريكي مع عدد من الإخوان وبثته قناة الجزيرة ووقفت وزارة الخارجية موقف المتفرج مثلها مثل باقي مشاهدي القناة ولم تقدم ما يفيد كذب ومزاعم من نقلوا صورة خاطئة ومشوهة عن مصر لأعضاء الكونجرس الأمريكي"، وأضاف أن وزارة الخارجية عليها دورا كبيرا في مناقشة أعضاء البعثات في كيفية مواجهة الإرهاب، واتخاذ عدد من الإجراءات لمنع تمويل العمليات الإرهابية، من خلال مراقبة أعضاء الجالية المصرية في مختلف الدول والتدخل في كل التجمعات التي تجري هناك.

حسم ولواء الثورة
يرى سامح عيد، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، أن انتماء عناصر من أعضاء اللجان النوعية للإخوان، على شاكلة حسم ولواء الثورة، وغيرها من الجماعات الإرهابية، يعود إلى وجود قيادات للجماعة بالمحافظة من الطبقات الوسطى والدنيا، الذين سقطوا مع أتباعهم وأنصارهم من الجماعات السلفية والجهادية، مؤكدا أن الخلايا التي تتكون في هذه البقع، أعلنت عن وجودها لأول مرة بعد أحداث عام 2013، وخلال السنوات اللاحقة لإسقاط الإخوان عن حكم مصر.

ويؤكد الباحث، أن هذه المجموعة القادمة من المحافظات، تستنسخ أفكار داعش، لبناء أيديولوجية على مقاس قريب من القاعدة، حتى يمكنها استقطاب أعداد متزايدة من المتطرفين، من أبناء التيارات الدينية، الذين لديهم ملاحظات على أداء داعش، بجانب أنهم لايريدون توسيع الصراع مع الجميع، مثلما يفعل مرتزقة البغدادي، هم لديهم أهداف محددة، تتلخص في العودة للحكم بأي ثمن، ولديهم استعداد لدفع الغالي والنفيس في سبيل ذلك.
الجريدة الرسمية