رئيس التحرير
عصام كامل

مصر تشارك في اجتماعات قمة الاتحاد الأفريقي.. شعوب القارة السمراء يتطلعون لدور فعال مواجهة الاستثمارات الأجنبية.. التجربة الوطنية نموذج وحافز لدول القارة لمحاربة الاستعمار

جانب من اجتماع لقمة
جانب من اجتماع لقمة الاتحاد الأفريقي - صورة أرشيفية

تشارك مصر في اجتماعات قمة الاتحاد الأفريقي التي ستعقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الفترة من السبت وحتى الأربعاء المقبلين، وهي قمة خاصة للاحتفال بالعيد الخمسين لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963.


وتنطوي مشاركة مصر على دلالات سياسية بالغة الأهمية من أبرزها عودة مصر إلى تبوؤ دورها الأفريقي بعد حالة الفتور الدبلوماسي التي أصابت الدور المصري تجاه أفريقيا لفترة من الوقت، ويرتكز الدور المصري الجديد أساسا على التعاون والمشاركة مع دول القارة للنهوض ببلادها في إطار تحقيق المصالح المشتركة لشعوبها.

ومصر من الأباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية عن طريق الزعيم جمال عبد الناصر ، وهيلاسلاسي، وجوليوس نيريري ، وكوامي نكروما ، وموديبو كيتا وغيرهم، ولعبت دورا كبيرا في دعم وتنمية هذه القارة عن طريق قيادة حركة التحرر، حيث كانت بوابة التحرر لأكثر من 35 دولة أفريقية خاضعة للاستعمار منذ أوائل الستينات وحتى عام 1994 باستقلال جنوب أفريقيا آخر الدول المستعمرة ..كما ساهمت مساهمة فعالة في تأسيس هيكل الاتحاد الأفريقي في قمة لومي عام 2002.

وأعطت مصر بتجربتها الوطنية نموذجا وحافزا لدول القارة لمحاربة الاستعمار وكانت أحد أبرز دول العالم دعما لحركات التحرر الإفريقية حيث أسست الرابطة الإفريقية في القاهرة عام 1955 لتقديم الدعم والمساعدة والرعاية لمندوبى التنظيمات الوطنية الإفريقية .

كما فتحت كل الحركات الوطنية الأساسية في القارة مكاتب لها بالقاهرة وعينت ممثليها بها ، وحظيت تلك الحركات بمخاطبة شعوبها من خلال الاذاعات المصرية الموجهة، فوجهت إذاعة صوت أفريقيا باللغات السواحلية ، والأمهرية ، والهوسا، والانجليزية والفرنسية والعديد من اللغات المحلية الأخرى إلى مختلف مناطق القارة .

وكانت مصر تمد جذورها في أفريقيا من خلال دور إقليمى فعال يكرس المصالح المشتركة ، ويحتضن كل عشاق الحرية ويقدم للأصدقاء المعونة والخبرة الفنية التي يفتقدونها في التعليم والصحة والرى والصناعة والتجارة وكل شيء. ويعتبر الارتباط المصري الأفريقي ارتباطا وثيقا حضاريا وجغرافيا وهو نتاج لوحدة المصير والآمال والتفاعل بين السياسة والطبيعة والجغرافيا التي صهرتها شمس القارة السمراء وصبغت أبنائها بسمرة لاتغفلها أينما كانت في ربوع أفريقيا فموقع مصر جعلها بوابة أفريقيا إلى آسيا وأوروبا، وعلاقة مصر بإفريقيا يفرضها انتماء عميق فياض بالعطاء.

وتمتد العلاقات (المصرية ـ الإفريقية) إلى أعماق التاريخ ، ومنذ عهد الفراعنة وقد نسجت خيوط تلك العلاقة عبر القرون بروابط ثقافية واجتماعية وحضارية حتى جاءت ثورة يوليو لتكشف عن وجه مصر الأفريقي عندما حدد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مجالات العمل للسياسة الخارجية من ثلاث دوائر كانت أفريقيا أحداها.

وتبنت مصر منذ قيام ثورة يوليو عرض قضايا تقرير المصير في الأمم المتحدة باعتبارها أقدر الدول على ذلك ، ودأبت على دعوة ممثلى حركات التحرر الإفريقية للحضور إلى نيويورك على نفقتها لطرح مشاكلهم، واستطاعت مصر أن تشكل جبهة عالمية للدفاع عن قضايا التحرر عبر العديد من المحافل الدولية والتنظيمات من أهمها مؤتمر باندونج عام 1955 ، وحركة عدم الأنحياز .

وكون الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مع الرئيس الغاني نكروما والمالي موديبو كيتا عقب استقلال تلك الدول مباشرة أول تحالف إفريقى ثورى ثم أعلن عام 1961 عن ميثاق الدار البيضاء بين كل من مصر وغانا وغينيا ومالى والمغرب وجبهة التحرير الجزائرية .

وأكد القانون التأسيسى لهذا التجمع التصميم على تحرير الأراضى الإفريقية التي مازالت تحت السيطرة الأجنبية واستمرت القاهرة في تحمل تلك المسئلية بشكل رئيسي حتى عام 1962 عندما أنشأت لجنة التحرير الإفريقية من تسع دول من بينها مصر.

ثم جاء تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية تتويجا لجهود أفريقية عديدة شاركت فيها مصر بقوة منذ عام 1958 ، وتم وضع الأسس لأقامة المنظمة عام 1963 ، ومصر هى الدولة الإفريقية الوحيدة التي تولت رئاسة المنظمة ثلاث مرات أعوام 1964 و/ 1989 و/ 1993 / كما عقدت ثلاث قمم أفريقية في القاهرة أعوام 1964 ،و 1993 ،و 2007.

وقامت مصر من خلال عضويتها في المنظمة بدور هام في العمل على تسوية المنازعات الإفريقية في عدد من الدول ، وساعدت على مواجهة الحركات الانفصالية في أكثر من دولة أفريقية وكان لإختيار القاهرة مكانا لأول قمة للمنظمة عام 1964 دلالة واضحة على الدور المصري في إنشائها ، وظلت مصر على إهتمامها بإفريقيا رغم ظروفها بتحرير أرضها بعد انتكاسة 67 وإعادة البناء حيث استضافت في تلك الفترة أول مؤتمر قمة عربي إفريقى عام 1977.

واتجهت بعد ذلك لتفعيل العمل الجماعى وذلك بانضمامها إلى تجمع "الكوميسا" عام 1998 ثم الساحل والصحراء عام 2001 ، ومبادرة حوض النيل وعضوية الاتحاد الأفريقي عام 2002 وعضو مؤسس في النيباد وهو البرنامج التنموى الأفريقي في العام نفسه بالإضافة إلى التحرك المصرى لعقد اتفاقيات مع التجمعات الاقتصادية بالقارة.

وتواصلت المساعدات المصرية للدول الإفريقية من خلال الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا الذي تأسس عام 1981 ، حيث قام الصندوق بتدريب نحو 8 آلاف متدرب إفريقى في جميع المجالات ..كما أوفدت مصر الخبراء إلى مختلف الدول من أساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين والخبراء.

ويرى المحللون السياسيون أن مصر لعبت دورا مهما في حفظ السلم والأمن الإفريقيين من خلال عدة وسائل أهمها المشاركة في تسوية العديد من النزاعات بالقارة التي كانت تشكل مصدرا لتهديد السلم والأمن ، فضلا عن دورها في مباحثات السلام الإفريقية الخاصة بإقليم ناميبيا حتى حصوله على الاستقلال ومشاركتها في قوات حفظ السلام الدولية المشرفة على الانتخابات ..كما كانت في مقدمة الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع ناميبيا بعد الاستقلال .

ولعبت مصر درورا مهما في إقرار السلم والأمن بالجنوب الأفريقي ، حيث شاركت في صدور إعلان هراري في أغسطس عام 1989 من خلال رئاستها للجنة الجنوب الإفريقية التي أنشئت عام 1985 وضمت 13 دولة من بينها مصر والمنبثقة عن منظمة الوحدة الإفريقية .

واستضافت مصر في شهر نوفمبر من عام 1993 أهم رموز القوى السياسية لجمهورية جنوب أفريقيا لتحقيق الوفاق بين الزعماء الأفارقة في البلاد من أجل ميلاد جنوب أفريقيا خالية من العنصرية عام 1994 فضلا عن مشاركتها بفريق خاص من 50 مراقبا للأشراف على الانتخابات الرئاسية في البلاد.

كما حرصت مصر على علاقات حسن الجوار بين الأشقاء الأفارقة وبذل الكثير من الجهد لاحتواء المواقف الخلافية من بينها القيام بدور الوساطة بين موريتانيا والسنغال عامي 89/ 1990، واحتواء أزمات الحدود بين السنغال وغينيا بيساو ، ومالى وبوركينا فاسو.

وشاركت مصر بدور فعال في الأزمة الصومالية عبر الانخراط الفعلى في المفاوضات بين الأطراف خلال العديد من مراحل الأزمة تأكيدا على الأهتمام المصرى البالغ بتسوية الأوضاع في الصومال ..وأولت أهمية كبيرة للأوضاع في السودان سواء مايتعلق نزع فتيل الأزمة بين السودان و جنوب السودان أو قضية دارفور.

وشاركت مصر بفعالية في دعم القدرات الإفريقية وعمليات حفظ السلام في القارة سواء تحت مظلة الاتحاد الأفريقي أوالأمم المتحدة ، فمصر سادس دول العالم المشاركة في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام ، ولا تشارك بقوات فقط وإنما تطرح مبادرات للتدريب سواء للمدنيين أوالعسكريين بين دول العالم المختلفة التي تشارك في عمليات حفظ السلام بمركز القاهرة لعمليات حفظ السلام.

وشاركت في عمليات حفظ السلام بالكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية خلال الفترة من عام 1960 ، وحتى 1961 ، وفي الصومال ، خلال الفترة من شهر يونيو عام 1998 وحتى شهر مارس 2000 ، وشاركت في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في أفريقيا الوسطى ، وبعثة حفظ السلام بأنجولا خلال الفترة من 1991 ، وحتى 1999 / وفى موزمبيق خلال الفترة من 1993 و1995 / والكونغو الديمقراطية ، وكوت ديفوار ، وجنوب السودان ، وجزر القمر ، ودارفور ، وتشاكر حاليا بعدد من المراقبين في كل من سيراليون، ورواندا ، وبوروندي.

واتجهت مصر لإنشاء آليات لحفظ السلم والأمن الإفريقيين ، وفى هذا الصدد نجحت في إنشاء آلية لفض المنازعات في 7 يونيو عام 1993، وتقدمت باقتراح في القمة الإفريقية الثانية والثلاثين لحصول الدول الإفريقية الأعضاء في مجلس الأمن على عضوية تلقائية في جهاز آلية فض المنازعات الإفريقية لدعم الآلية وخلق حلقة اتصال فاعلة لتكثيف التعاون بين الآلية والمجلس.

وبالرغم من هذه الأدوار التي قامت بها مصر خلال السنوات الماضية الا أن حضورها لم يكن كافيا لاستعادة دورها الذي قامت به خلال مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي فقد خفت دورهار خاصة تجاه مؤتمرات القمم الإفريقية منذ محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس السابق في مستهل زيارته لإثيوبيا للمشاركة في القمة الإفريقية عام 1995 ، وبعدها توقفت القيادة السياسية عن حضور القمم الإفريقية.

وأتاح هذا التراجع الفرصة أمام بعض القوى للتواجد والتقارب مع دول القارة لتحقق أهدافها ومصالحها وتهديد الأمن القومى المصري مثل إيران وإسرائيل حيث تتنافس الدولتان بكل السبل لإقامة علاقات مع دول القارة ، وعلى الرغم من أن بعض الخبراء لايرون أن التواجد الإسرائيلي الإيراني يأتى خصما من الدور المصري وفعاليته إلا أنه لايمكن إنكار أن الدول الإفريقية ستفضل التعاون مع الدول التي تقدم لها الخدمات وتحرص على إغاثتها في أوقات الأزمات والكوارث.

وأمام هذا المشهد أولت ثورة 25 يناير اهتماما كبيرا باستعادة الدور المصري في القارة وبدأت بآليات جديدة للعمل مع الشركاء الأفارقة من خلال الدبلوماسية الشعبية التي زارت أوغندا ، وأثيوبيا ، ودولتي السودان لتعزيز علاقات مصر الإفريقية بالتعاون التنموي والتقني ، ثم حضور الرئيس مرسى القمة الإفريقية بأديس أبابا خلا شهر يوليو الماضي وزيارته لأوغندا في شهر أكتوبر الماضي أيضا ، وجنوب أفريقيا في شهر مارس الماضي لحضور قمة "البريكس" وهو مابعث بإشارات تعبر عن عودة مصر مرة أخرى إلى أشقائها الأفارقة.

وتضع مصر إستراتيجية للعلاقات بينها ودول القارة تقوم على تحديد المصالح الحيوية لمصر في القارة يقابلها تحديد لما يريده الأفارقة من أرض الكنانة التي في حاجة إلى تحقيق الاستقرار في هذه الدول لمنع تأثير حالة الحروب الأهلية وانعدام الأمن على الأمن القومى المصري .

كما أن مصر لديها مصلحة وطنية في توطيد علاقاتها بدول حوض النيل ، بالإضافة إلى مصالحها الاقتصادية التي ترتبط بتوفير فرص عمل واستثمارات في دول القارة السمراء .. أما الدول الإفريقية فهى تتطلع لدور فعال لمصر في القارة أكثر نشاطا بالإتحاد الأفريقي و ألا تسمح لدول بعينها بالسيطرة على أنشطة الاتحاد، إلى جانب تفعيل دورها في التجمعات القائمة مثل الكوميسا والساحل والصحراء حيث تحولت هذه التجمعات إلى تكتلات سياسية وأمنية أكثر منها أقتصادية.

وتتطلع الشعوب الإفريقية لدور مصرى فعال في الدفاع عن مصالح هذه الشعوب ومواجهة الاستثمارات الأجنبية في دول القارة المختلفة التي تمثل استعمارا جديدا لأراضى القارة، حيث أصبح للدول الإفريقية قناعة كبيرة بأن مصر عادت لهم وعاد دورها النشط في القارة ، حيث تجسد ذلك في انتخاب مصر عضوا بمجلس السلم والأمن الأفريقي لمدة عامين عن الفترة من 2012 وحتى 2014 لأهمية الدور الذي يلعبه المجلس في قضايا القارة حيث حصلت مصر على أصوات 47 دولة من بين 48 شاركت في التصويت .

ويعد حصول مصر على دعم هذا العدد من الدول الإفريقية تقديرا منها للثورة المصرية والتغيرات التي تشهدها مصر ، حيث يمنح تواجد مصر في المجلس فرصة للتوسط في حل المشاكل التي تعاني منها بعض الدول الإفريقية ؛ ما يعيد للأذهان الدور الذي كانت تقوم به خلال حقبة الستينيات من القرن الماضي .
الجريدة الرسمية