رئيس التحرير
عصام كامل

أولادنا ووصايا لقمان!


أصعب أنواع الابتلاء عندما يأتي في الأبناء، تعرضت والحمد لله لاختبارات كثيرة، وحين أصيب ابني بنوع نادر من الأنيميا نتيجة نقص الحديد وما ترتب عليه من فقد للوعي ومنعه من المشاركة في تدريبات فريق الجري بالجامعة وهو على مشارف مسابقة هامة، بعد حصوله على ميداليات كثيرة وسوء حالته النفسية وما أصاب أسرتنا من حزن شديد، استوقفني ذلك الاختبار كثيرا كي أكتب لكل أب، هذه الرسالة المهمة باقتباس مختار من مدونة غالب البنّا في وصايا لقمان:


أولادنا بعض منا وبضعٌ منا، لا ينزل أحد منزلتهم كائنًا من كان، ولو كان الوالدين، ولهذا ذكّر الله سبحانه الأبناء بمنزلة الوالدين، وأوصاهم بهم خيرا، ولم يوصٍ الوالدين بالأبناء لأن ذلك مما جُبلت عليه فطرُهم واستقرّ في قلوبهم، لا حاجة للتذكير به أو الحضّ عليه.

حب الأباء للأبناء حبُّ خاص مميّز لا مثيل له، فالمرء لا يتمنى أن يكون على الأرض أفضل منه علمًا وأكثر منه مالًا وأعلى منه قدرًا إلا وليده، فلذة كبده، وهو حب يَنْعَم به الآباء حينا ويشقوْن به أحيانًا.

يفرح الابن بالنجاح فيفرح الأب لفرحه، إذ إن فوزَه فوزُه ورفعَته رفعتُه، ويعترى الابن ألمًا، فتتداعى الآلام على الأبِ أضعافًا مضاعفة، فهو إن فرح لفرحه مرة، ألم لألمه مرات ومرات.

ثم هو لا يستطيع إلى درء ذلك سبيلا ولا يقدر على أن يتحوّل عنه تحويلا، وها هو نبي الله يعقوب عليه السلام يبكي على ابنه يوسف عليه السلام حتى يفقد البصر، فسبحان من جعل هذا الحب مصدرا للنعيم تارة وللشقاء تارات.

ثم إن أفضل ما يتمنى المرء أن يبلغ من منزلة أن يكون أكثر قربًا لله وأطوع له، ومن هنا نرى ذلك الخطأ الذي يقع فيه الكثير من الآباء، الذين يقصّرون في حقّ حبهم لأبنائهم حين يُقصِرون هذا الحب على توجيه الأبناء للتميّز في الدنيا، والسعي وراء المال والمنصب، دون أن يكون للنصيحة بطاعة الله والإلتزام بشرعه مكان في هذا التوجيه.

من هنا ندرك مكانة الآية الكريمة التي جمعت الوصايا العظيمة على لسان لقمان عليه السلام وهو يعظ ابنه ويوجهه بأفضل ما ورد على لسان أب لابنه، وحريّ بكل أب مسلم أن يترسّم خطى لقمان عليه السلام فيما نصح به ابنه ليضمن له الرفعة في الدنيا والفوز في الآخرة.

الآيات الحكيمة تجسد كلّ ما يأمل أب أن يراه في ابنه الذي يعظه بكل ما في قلب الأب من رحمة بابنه، عظات أضحت بعد أن تضمنها كتاب الله، موجِّهًا عامًا للآباء في تربية أبنائهم وحملهم على الجادّة في كل زمان ومكان.

فيا أيها الآباء احفظوا تلك الوصايا ترتيبا كما وردت في الآيات من سورة لقمان، فوالله إنه كلام الله على لسان لقمان، وإنه منهج النصح والإرشاد السليم الوافي:

1- زرع التوحيد في نفوس الأبناء بأن لا إله إلا الله أحد فرد صمد.

2- حمله على بره بوالديه، لأن البر بالوالدين صفاء للنفوس، ومدعاة لرقة القلوب الدافئة.

3- إقامة أركان الدين، وعمادها الصلاة، والحض على الخير، والمبادرة إلى فعله.

4- الصبر على الابتلاءات والمكاره والإيمان المطلق بالقضاء والقدر.

5- تعوّد الابن على الأنفة والعزة، والبعد عن التكبر والخيلاء، وشتان ما بين الاثنين.

6- خفض الصوت قوة في الحجة، ووقار في الشخصية.

ولولا فضل الله وكرمه علينا بالزوجة الصالحة، ما كان للحياة أن تصل إلى هذا البر، ونصمد أمام كل ابتلاء، فالزوجة الصالحة هي أصل الأم الصالحة وهي حق للابن على أبيه، فقد أجاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه سؤالا لأحد الأبناء لما سأله ما حق الولد على أبيه بقوله: "أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن"، وقال أيضًا: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة"، ولضمان نقاء معدن ثمرة الزواج قال عليه السلام: "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"

ولأن من الشعر لحكمة، أتذكر قول الشاعر:
وإنما أولادنـــــــــــا بيننـــــــــــــــا
أكبـــــــــــادنا تمشي على الأرض
إن هبــــــــــت الريح على بعضهم
لم تشــــــــــــبع العين من الغمض

حفظ الله أولادنا جميعا!
الجريدة الرسمية