رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

محافظ.. ضد الرئيس وضد الشعب!


يومًا وراء يوم، يثبتُ محافظ الجيزة الحالى أنه "المسؤولُ غيرُ المناسب في المنصب غير المناصب"، فلا هو قادرٌ على تلبية أبسط مطالب أبناء المحافظة المنكوبة دائمًا بمحافظيها، ولا هو يعملُ على تنفيذ التعليمات والأوامر الرئاسية، وكأنه ارتضى لنفسه طواعية أن يكونَ "محافظًا ضد الرئيس وضد الشعب" في آنٍ واحدٍ.


المحافظُ، الذي لم يحققْ على الأرض إنجازًا واحدًا، منذ هبط على ديوان المحافظة في أغسطس الماضى، لا يشغله سوى تنفيذ أكبر عملية هدم وتشريد بالمخالفة لصحيح القانون والعُرف والإنسانية، ثم تعميم أكبر عدد من اللافتات التي يشكر فيها نفسَه، على إنجازات لم يصنعها، وكأنه ممن يحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا، ومن الذين يحسبون أنهم يُحسنون صُنعًا، ومن الذين إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض، قالوا إنما نحن مُصلحون!

أكبرُ دليل على أنَّ المحافظ المذكور، يُبحر ضد توجيهات الرئيس وخطط الحكومة وأحلام الشعب، ما يحدثُ في منطقة "حدائق الأهرام"، المُتاخمة للمتحف المصرى الكبير، والمُطلة على الأهرامات الثلاثة، من إهمالٍ وفسادٍ، وتحصين وتقنين وشرْعَنة وتوفير الدعم اللازم لهما!

لقد شهدتْ الأسابيعُ القليلة الماضية اجتماعاتٍ وتوجيهاتٍ على أعلى مستوى لتطوير المناطق المُحيطة للمتحف المصرى الكبير، باعتباره سيكون واحدًا من أهم المقاصد السياحية، وسبقتها خططٌ جادة للقضاء على العشوائيات في عموم مصر، إلا أنَّ المحافظ الحالى ومعاونيه ومساعديه يضربون بها عُرض الحائط، ويسابقون الزمن لتحويل "حدائق الأهرام" إلى منطقة عشوائية جديدة، تؤاطؤًا وتخاذلًا وتكاسُلًا وإهمالًا.

لا يختلفُ اثنانِ على أنَّ في مِصرَ، نفوسًا تكرهُ الجمالَ والنظامَ، وتنفرُ منهما، وتعلنُ الحربَ عليهما، ولا يهدأ لها بالٌ، حتى ترى الجمالَ وقد صار قبحًا، والنظامَ وقد أصبحَ فوضى، وحينئذ تجتاحُها سعادة غامرة، وتتوهمُ أنها حققتْ نصرًا مبينًا، وإنجازًا عظيمًا، تنتظرُ الشكرَ والتقديرَ عليهما، وربَّما الترقِّي إلى مناصبَ أرفع!

منطقة "حدائق الأهرام"، نموذجٌ واضحٌ وصريحٌ على تلكَ الحالة المُزرية التي تؤكدُ أنَّ البحثَ عن سكن هادئ وراقٍ بعيدًا عن العشوائية والزحام وتلال القمامة، داخل القاهرة الكبرى، صار أمرًا مستحيلًا، فأينما وليَّتَ وجهك، فسوف تُطاردُك كلُّ مظاهر القبح والتدنى والتردى، وحينئذ لا ينبغى لك أن تعترضَ أو تتذمرَ أو تنتفضَ، فالبقاءُ في مصر صار لمن هم أشد قبحًا.

قبلَ سنواتٍ قليلة.. كانت "حدائق الأهرام" منطقة سكنية راقية هادئة. كان قاطنوها يشعرون بشئ من راحة البال والسعادة، فما أجملَ الحياة بعيدًا عن: الزحام، وقوافل الباعة الجائلين وصراخهم، ومواكب التكاتك المزعجة والمؤلمة، وتلال القمامة، والشوارع والطرق غير المجهزة.

ولكنَّ الحلم الجميل سرعان ما تحول إلى "كابوس فظيع"، حتى تحولتْ المنطقة الناشئة ذاتُ الموقع الجغرافى المتميز والتي كانت جاذبة للسكان، ومن بينهم عددٌ غيرُ قليل من المشاهير، إلى مدينةٍ طاردةٍ للسكان الذين يعرضون مساكنهم للبيع؛ هربًا مما حدث ويحدثُ وسوف يحدثُ، تحت رعاية المحافظ الحالى المشغول بشكر نفسه والثناء عليها!

"حدائق الأهرام".. التي نشأتْ ضمن مُخطط تعمير منطقة صحراء الأهرام، في ثمانينيات القرن الماضى، وتمتدُّ على مساحة تصل إلى١٤٠٠ فدان تقريبًا، وتطلُّ على واحدة من أقدم المناطق الأثرية في العالم أمام أهرامات الجيزة، وتتاخمُ المتحفَ المصرى الكبير، في طريقها إلى أن تتحولَ إلى منطقةٍ عشوائيةٍ بامتياز، بسبب تراخى الجمعية التعاونية المشرفة عليها ومحافظى الجيزة الذين تناوبوا عليها دون تقديم أي مردود طيب، لا سيما المحافظ الأخيرَ، ولا يتبقى إلا أنْ يتم إعلانُ "حدائق الأهرام" منطقة منكوبة، وحينئذٍ سوف يُعمم المحافظُ لافتاتٍ جديدة على نفقة المحافظة، يشكرُ نفسَه فيها أيضًا!

جميعُ مظاهر الفوضى، بلا استثناء، تضربُ المنطقة وتغتالُ أحلامَ قاطنيها، بوتيرةٍ مُتسارعةٍ ومُنظمةٍ، ومع اقتراب افتتاح المتحف المصرى الكبير، في غيابٍ تامٍ ومُخزٍ للحكومة، متمثلة في المحافظ الحالى ومعاونيه ومساعديه وموظفيه وعماله، وحضورٍ مُدهش للتراخى الإدارى والفساد المالى والأخلاقى، وبطولةٍ مُطلقةٍ للقبح الذي يطلُّ بوجهه في كل موضع ومكان..

فلم يعدْ هناك أىُّ التزام بضوابط البناء، وتوغلتْ ظاهرة البناء المخالف بشكل ٍمُزعجٍ، وظهرتْ العماراتُ ذاتُ الطوابق الثمانية "ضعف المقرر قانونا"، ولم تعد هناك أىُّ قيود على فوضى المقاهى والمحال التجارية، بما يدمرُ البنية التحتية تدميرًا شاملًا، وتحولتْ التكاتك إلى مرضٍ عُضالٍ لا يمكنُ التخلصُ منه، والشوارعُ الرئيسية مُظلمة، والجانبية مُهملة تمامًا، ولا وجودَ لقسم شرطة رغم اتساع المنطقة وكثرة سكانها..

وتسللتْ أعداد كبيرة من البلطجية والخارجين عن القانون إليها، ولم يعدْ أمام السكان إلا الاحتجاجُ والصراخُ على مدار الساعة، وبكل الوسائل القانونية، أملا في إنقاذ المنطقة، حتى أنهم لجأوا في الآونة الأخيرة إلى الاستغاثة بالرئيس شخصيًا، بعدما أغلق المحافظ أبوابه في وجوههم، كما يعتزمونَ تنظيمَ وقفة احتجاجية كبيرة منتصفَ الشهر الجارى، ليعرضوا خلالها السجلَّ الأسودَ للقائمين على المنطقة، والحالَ السيئة التي وصلتْ إليها، ولا أدرى كيف تتغافل الجهات المُختصة عن مُحاسبة القائمين على تلك المنطقة وآلاف المقاولين الذين يتفننون في عدام سداد حق الدولة من ضرائب وغيرها، من خلال وسائل التحايُل المعروفة، رغم توجيهات الرئيس المستمرة في هذا الصدد.

ما يحدثُ في "حدائق الأهرام" يعكسُ حالة من التخبط والارتباك الإدارى، فلا يصحُّ أنْ تخطط الحكومة للقضاء على العشوائيات مثلًا، ويكون من بين رجالها من يعارضُ خططها ويتجاهلها ويهدمها، باعتباره الآمر الناهى، رافضًا النصيحة والإرشاد، مُعرضًا عن أي استغاثة تطلب تدخله وإعمال القانون الذي تم "تحنيطُه" في عهده.

"حدائق الأهرام" ليستْ إلا نموذجًا صارخًا لحالة التضارب بين توجيهات الرئيس وخطط الحكومة وأحلام الشعب من ناحية، وتقصير المسؤولين والتمكين للفساد والفوضى في أقبح صورة والاستفادة منهما، من ناحيةٍ أخرى، ومن المؤكد أن هناك نماذج أخرى مشابهة، تتطلبُ تدخلاتٍ وقراراتٍ حاسمة وسريعة، وأهمها: إعادة النظر في طرق اختيار المحافظين والمسؤولين وعدم ترك الأمر للعشوائية والمجاملات..
Advertisements
الجريدة الرسمية