رئيس التحرير
عصام كامل

بلطجة «ترامب».. أمريكا تمزق صفحات جرائم جنودها بـ«إعفاءات يوم الذكرى».. والعرب على رأس قائمة الضحايا.. واشنطن شاركت في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وضربت بقوانينها عرض الحائط


نشرت خلال الأيام القليلة الماضية تسريبات حول نية البيت الأبيض الإعفاء عن بعض الجنود الأمريكيين الذين يواجهون محاكمات أو تمت إدانتهم في جرائم حرب، خلال «يوم الذكرى»، وهو يوم عطلة فيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية يحتفل به لتكريم الجنود الأمريكان الذين قتلوا في ساحات المعارك.


بلاك ووتر
وبحسب مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية الأمريكية، فإنه قد سبق واتهم سبعة من أفراد القوات الخاصة البحرية الأمريكية، جنديًا بطعن مراهق أعزل حتى الموت وإطلاق النار عن قصد على طفلة خلال سيرها إلى مدرستها، والتورط في مهاجمة الأحياء العشوائية بالصواريخ والمدافع الرشاشة، ويخضع للمحاكمة حاليا ويتوقع أن يكون اسمه ضمن من سيشملهم العفو.

كما أدانت محكمة فيدرالية موظفا في شركة «بلاك ووتر» العسكرية الخاصة، بتهمة إطلاق النار على العشرات من العراقيين العزل في ساحة النسور في العاصمة بغداد في 16 سبتمبر عام 2007م، بينما تم الإفراج عن ثلاثة آخرين من شركائه في الجريمة.

وأكد المركز الأمريكي أنه في حال تطبيق الإعفاء عن «مجرمي الحرب» هؤلاء سيمثل ذلك انتهاكا واضحا لاتفاقيات جنيف والالتزامات التي تعهدت بها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه السلوك القانوني لأفرادها العسكريين، ومن شأن هذا العفو أيضا أن يؤدي إلى إسقاط جميع قوانين الحرب التي تزعم الولايات المتحدة الدفاع عنها دائما وأبدا، إضافة إلى التأثير السلبي على الجنود والمدنيين الأمريكيين في جميع أنحاء العالم.

مجرمو الحرب
وأضاف المركز في تقرير له حول المخاطر التي تشكلها عملية الإعفاء عن مجرمي الحروب أن «الحرب مروعة.. وحروب الخارج أسوأ.. والأكثر خطورة منها أن تمارس خلالها خروقات للقانون الدولي، بما يؤدي لعواقب وخيمة على المدنيين والجنود أنفسهم.. ونرى اليوم الممارسات التي يقبل عليها تنظيم داعش الإرهابي وغيره من الجماعات الإرهابية من قطع للرءوس والقتل الجماعي لأسراهم، والاستعباد الجنسي والإبادة الجماعية.. ولا يختلف ذلك عن الخروقات التي تقوم بها الدول المشاركة في الحروب».

اختراق القوانين
ورغم أن الولايات المتحدة كانت من أقوى المؤيدين لقوانين الحروب، التي تسمى أيضا بـ«قوانين النزاع المسلح أو حقوق الإنسان الدولية»، كانت أول دولة تخرق القوانين تلك، التي أعلن عنها في عام 1864 كرد فعل على فظائع الحروب التي وقعت خلال الحرب العالمية الثانية، ووضعت قواعد لمنع انتهاك حقوق المدنيين وأسرى الحروب، ولكن الهدف الخفي للدفاع الأمريكي عن تلك القوانين في بدايتها تمثل في رغبتها بحماية جنودها بالأساس.

وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، كانت أمريكا لاعبًا فاعلًا في تطوير نظم وقوانين منع أطراف الصراعات من ممارسة انتهاكات حقوق الإنسان والمدنيين، ليس هذا فحسب لكنها ساهمت في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لفرض قوانين الحرب، ولعبت كذلك دورا في محاكمات نورمبرج، التي حاكمت النازيين بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وكذلك القادة الذين حرضوا على تلك الانتهاكات، وهي محاكمات تمخضت عنها فكرة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الخاصة لسيراليون، كلها ساهمت الولايات المتحدة في إنشائها من خلال دورها في مجلس الأمن، ولعب المدعون العامون ومحامو الدفاع أدوارا رئيسية في ضمان اتساق المحاكمات مع الإجراءات القانونية.

اتفاقية روما
وتباينت العلاقة بين الولايات المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية في ظل الإدارات المختلفة لها، فلم تصادق على اتفاقية روما التي كانت ستخضعها لسلطة المحكمة الجنائية الدولية، وفي وقت مبكر من حكم الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش سعت الولايات المتحدة إلى إبرام اتفاقات مع دول أخرى تضمن لها حصانة مواطنيها من قوانين المحكمة، بينما أعلنت في وقت لاحق دعمها لإجراءات المحكمة تجاه فظائع دارفور.

فرض حظر
وفي خطوة مفاجئة أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرا فرض حظر على تأشيرة المدعي العام الرئيسي بالمحكمة الجنائية الدولية، كرد فعل منها على استمرار المحكمة في التحقيق بقضايا انتهاكات المخابرات المركزية الأمريكية والبنتاجون في أفغانستان، رغم أن «حظر التأشيرة» إجراء أمريكي من المفترض أن تقوم به السلطات تجاه مجرمي الحرب وليس الأشخاص الذين يحاكمونهم.

وهددت الإدارة الأمريكية أيضا بفرض عقوبات على موظفي المحكمة في إجراءات لن تكون قانونية، وفقا، لجون بيلينجر، المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية في أثناء حكم جورج دبليو بوش، والذي أكد أن حظر التأشيرة إجراء غير ضروري، وإذا استمرت إدارة ترامب في معارضة المحكمة الجنائية الدولية، فهناك طرق أخرى أكثر دبلوماسية يمكنها التحرك من خلالها.

وتشكل معاقبة المدعي العام الرئيسي للمحكمة الجنائية الدولية، إشارة أو ضوءًا أخضر للمستبدين في جميع أنحاء العالم بأنهم لا يحتاجون إلى الخوف من عواقب جرائمهم، لأن الدولة التي لطالما ادعت الدفاع عن حقوق الإنسان لم تعد تهتم بالتجاوزات المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية، وسيشكل ذلك أيضا دفعة للأنظمة الاستبدادية للسير على الخطى الأمريكية بالضرب باتفاقيات جنيف عرض الحائط.

ورأى المركز الأمريكي أيضا أن العفو المحتمل لإدارة ترامب عن هؤلاء المدانين أو الخاضعون للمحاكمة في جرائم الحروب له تداعيات أخرى كارثية تتعلق بالتأثير على شرف ومعنويات أكثر من مليون جندي يتصرفون بشكل أخلاقي وقانوني، وسيؤثر أيضا على مسألة التجنيد، لأن الخدمة في القوات المسلحة الأمريكية ربما لم تعد مهنة شريفة للالتحاق بها، إضافة إلى تعريض الجنود الأمريكيين لانتهاكات فظيعة حال تم أسرهم في أي دولة.

وإلى جانب ما سبق سيمثل ذلك العفو أيضا تخليا واضحا ورسميا للولايات المتحدة الأمريكية عن قيمها القديمة وادعائها بأنها مسئولة عن منع الجرائم الدولية والهجمات العشوائية على المدنيين، إضافة إلى تمكين الحكومات المستبدة من ممارسة جرائم الحروب بحرية واستغلال الأمر كنقطة ضعف لإجبار الولايات المتحدة على الصمت أمام ما تمارسه من انتهاكات.

"نقلا عن العدد الورقي...."
الجريدة الرسمية