رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

وصايا "لقمان" التي لم يذكرها القرآنُ


كان "لقمانُ" عبدًا حكيمًا، ولم يكن نبيًا رسولًا. أتاهُ اللهُ الحِكمة، ومَنْ يُؤتَ الحِكمة فقد أُوتى خًيرًا كثيرًا. ومن هذا الخيرِ أنَّ اللهَ اختصَ "لقمانَ" وخلَّدَ ذكرَه بسورةٍ تحملُ اسمَه في قرآنه الكريم.


وُلدَ "لقمانُ" وعاش في "أسوان"، أما قبرُه ففى "بيت لحم" بـ"فلسطين". عاصرَ "لقمانُ" نبىَّ الله "داوودَ" عليه السلام. قال النبىُّ الكريمُ عنه: "إنَّ لقمان كان عبدًا كثيرَ التفكر، حَسَن الظن، كثيرَ الصمت، أحبَ اللهُ، فأحبَّهُ الله تعالى، فمنَّ عليه بالحِكمة". ولأنَّ الولدَ هو أحبُّ الناس إلى أبيه، فإنَّ "لقمانَ" حرصَ على أن ينقلَ حكمته إلى ابنه تعليمًا وتلقينًا. ولأنها كانتْ حِكمًا بليغة، وتصلح لكل زمان ومكان، فإن القرآن الكريم خلَّدَ صاحبها وبعضًا منها؛ لتكونَ نبراسًا لكلِّ مَن يأتى بعده.

أوصى "لقمانُ" ابنه بأنْ يكونَ دائمَ الشكر لِلَّهِ؛ "وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ". كما وعَظه بألا يشركَ باللهِ؛ "إِنَّ الشِّركَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ". ونصحَه بأنْ يُقِيمَ الصَّلاةَ وَيأْمرَ بِالْمعْروفِ وَينهى عَنِ المُنكر، وَيصبِرَ عَلَى مَا أَصَابه وما حلَّ بساحته من البلاء؛ "إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ". كما أمرَه بألا يُصعِّرَ خَدَّه للنَّاس، وَلا يمشىَ فِي الأَرْضِ مَرَحًا؛ "إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ". وأوصاهُ أيضًا بأن يقصدَ في مشيه، وأن يغضُضَ من صوته.

هذا ما أجملهُ القرآن الكريم من وصايا "لقمان لابنه"، وهى وصايا جامعة مانعة، تصلحُ دستورًا للحياة، إنْ التزم به العبدُ، بلغ آخرته مشمولًا برضا الله عنه، وهى وصايا ليست طقوسية ولكنها عملية، فالدينُ المعاملة، وليس كما يفهمُه البعضُ طقوسًا جوفاءَ لا روح فيها ولا حياة.

أما الوصايا اللقمانية، التي لم يردْ ذكرُها في القرآن الكريم، فهى كثيرة ووجيهة وبليغة أيضًا، ومن بينها: "يا بُنيَّ، حملتُ الصخرَ والحديدَ، فلم أحملْ أثقلَ من الدَّين، وأكلتُ الطيباتِ وعانقتُ الحسانَ، فلم أصبْ ألذَّ من العافية، وذقتُ المراراتِ فلم أذقْ أمرَّ من الحاجة إلى الناس".

كما أوصى لقمانُ ابنه باختيار أخلائه وجُلسائه بقوله: "يا بُنيَّ، لا تجالسْ الفُجَّارَ، ولا تماشِهم، اتقِ أنْ يُنزِّلَ عليهم عذابٌ من السماء فيُصيبَك معهم، يا بُني، جالسْ العلماءَ وماشِهم، عسى أن تنزلَ عليهم رحمة فتصيبَك معهم".

وحذرَ "لقمان" ابنه من الانشغال بالدنيا عن الآخرة قائلًا: "يا بُنيَّ، بعْ دنياكَ بآخرتك تربحْهما جميعًا، ولا تبعْ آخرتك بدنياك فتخسرَهما جميعًا". كما لم يغبْ عن "لقمانَ" أن يوصى ابنه بالمداومة على ذكر الله والابتهال إلى الله بقوله: "يا بُنيَّ عَوِّدْ لسانك أنْ يقولَ: "اللهم اغفرْ لي، فإنَّ لله ساعة لا يرُدُّ فيها الدعاءَ"..

فما أحوجَنا جميعًا، آباءً وأبناءَ، إلى هذه الوصايا والعمل بها، في زمنٍ عزَّتْ فيه الحِكمة، وغابَ عنه الحُكماءُ، وطغى فيه الجهلُ، وطفى على سَطحِهِ الجهلاءُ.
Advertisements
الجريدة الرسمية