رئيس التحرير
عصام كامل

هكذا انحرفنا بالشهر الكريم!


لقد انحرفنا بالشهر الكريم عن غاياته المثلى، وفرغناه من مضمونه الحقيقي الداعي إلى الاعتدال والاقتصاد في الاستهلاك، والحث على التوفير والادخار، وبدلا من أن نكون قلوبا رهيفة تتصدق وتتراحم فيما بينها، وتقتصد في الطعام والشراب، صرنا قلوبا غليظة تسرف وتبذر، وبطونا تلتهم ما يصل إليها حتى صارت أوعية شر وبيتا للداء والعلة، وسببًا في الخمول والتراخي والكسل وضعف الإنتاج...


ولم يتوقف إسرافنا عند حدود الطعام والشراب فحسب، بل تجاوزه إلى الإغراق في السهر لمشاهدة المسلسلات والأفلام والبرامج على اختلافها، حتى صار صيامنا مجروحا، ونقاؤنا الروحي مشوّشا، وليس مستغربا في ظروف كهذه يشتد فيها الطلب على السلع والخدمات أن ترتفع الأسعار بمبرر ودون مبرر، وهو ما تضطر معه الحكومة إلى ضخ موارد إضافية لدعم المتطلبات الزائدة، مما يرهق ميزانية الدولة.

ومن أسف أن تتصدر إعلانات المسلسلات المشهد قبل وخلال رمضان، لتظل تطارد المشاهد بما سوف تعرضه على الشاشات من عشرات البرامج والمسلسلات، وفيها الغث والسمين والمفيد والفارغ والجاد والهازل، ولا أدري كيف سيوفّق المشاهدون بينها رغم صيامهم وقيامهم، ومن أين سيجدون وقتا لمتابعة كل هذا الكم الكبير، وهل ستلتزم الفضائيات والتليفزيون بما أقره المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام من مبادئ، وما أقره من عقوبات مغلظة لمن يخرج على قيم المهنة وتقاليدها بما فيها الإعلانات المخالفة..

والإجابة بالقطع لا وألف لا.

لقد شهدنا في سنوات سابقة كيف تسابقت الفضائيات على كعكة الإعلانات التي أُريدَ بها السيطرة على عقول الناس ومشاعرهم، وكان يحدونا الأمل أن يتغير هذا النهج هذا العام، فنجد برامج ومسلسلات أو حتى إعلانات تغوص في قضايانا بموضوعية وتجرد ووطنية، وتقدم حلولا واقعية لمشكلاتنا المزمنة، وتأخذ بأيدي الجمهور نحو الاستنارة، واستلهام تجارب النجاح من حولنا أو حتى من محيطنا وتوعيته بما يحيط بنا أو يحاك ضدنا، ولكنه لم يحدث.

الصيام يا سادة عبادة روحية وبدنية تستلهم نبل الرسالة ومقاصدها، وتشيع قيم التكافل الاجتماعي والصبر والإحساس بما يعانيه الفقراء، وما أراد الله تجويعنا إلا لنعرف قيمة الطعام الذي نرمي للأسف ما يفيض عن حاجتنا منه في سلات القمامة، أرادنا أن نشعر بمرارة حرمانهم، لا أن نتعالى عليهم أو نضيق بهم ذرعا إذا ما سألونا، بل نمد لهم يد العون من دون منٍّ ولا أذى، فنحن مستخلفون فيما تحت أيدينا من أموال سوف يسألنا الله عنها من أين اكتسبناها وفيم أنفقناها.
الجريدة الرسمية