رئيس التحرير
عصام كامل

غاز المتوسط و"أردوغان"


ما زال أردوغان يمارس بلطجته في البحر المتوسط، مدعيا أن له حقوق في البحث عن الغاز، فاتخذت تركيا إجراءات أحادية فيما يتعلق بأنشطة حفر أعلنتها في منطقة بحرية غرب قبرص، بما يمثل انتهاكا للقوانين الدولية، ويشكل مساسا وخطرا على الأمن والاستقرار بالمنطقة.


وبداية يجب أن نفهم قواعد التنقيب عن الغاز في البحار، فأولا هناك ما يسمى بالمياه الإقليمية وهي مناطق مياه البحار والمحيطات التي تمتلك دولة ما حق السيادة عليها. ومعظم الدول المئة والعشرين التي لها حدود على البحار قد حددت ما بين 12 ميلا بحريا إلى عدة أميال بحرية مياها إقليمية لبلدانها.

وهناك المياه الاقتصادية وهي منطقة بحرية تمارس عليها دولة حقوقا خاصة في الاستغلال واستخدام مواردها البحرية. والمنطقة الاقتصادية الخالصة تمتد إلى مسافة 200 ميل بحري ويحق للدول العبور من خلالها لكن استغلالها اقتصاديا لا يكون سوى للدولة المحددة لها.

وعندما تتقابل دولتان تفصل بينهما المياه ينبغي ترسيم الحدود البحرية لتعرف كل دولة حقها في المياه الاقتصادية، وهنا تبدأ بعد الترسيم وإيداع خريطة المياه في الأمم المتحدة في التنقيب عن الثروات المعدنية، ولا يجوز لها ذلك قبل الترسيم الذي تعترف به دول العالم، وهو ما دفع مصر إلى ترسيم حدودها مع قبرص واليونان ثم مع السعودية.

وبهذه القواعد فإن تركيا لا مياه إقليمية لها أو اقتصادية في المنطقة التي تريد أن تنقب فيها عن الغاز، فقد أعادت مصر ترسيم الحدود البحرية بينها وبين قبرص في منطقة شرق المتوسط عام 2003، و2013 دون أن تكون تركيا طرفا فيها، وجاءت عملية الترسيم والاتفاقية وفق قانون فيينا للمعاهدات لعام 1969 ولاتفاقية الأمم المتحدة للبحار لعام 1982.

وتسوق تركيا حجة واهية بأن قبرص مجرد جزيرة، وليست دولة تتمتع بمنطقة اقتصادية خالصة، وليس لديها سوى 12 ميلا بحريا فقط، وهو ادعاء كاذب؛ لأن قبرص جزيرة ودولة ذات سيادة ومعترف بها من جميع دول العالم عدا أنقرة. وتستغل تركيا احتلالها لجزء من جزيرة قبرص لتمارس التنقيب قبالة قبرص التي تحتلها تركيا رغم أن العالم لم يعترف بقبرص الشمالية، بل هي أرض محتلة من قبل أنقرة، بعد أن غزت قبرص عام 1974 واحتلت الجزء الشمالي وأعلنتها دولة، كما أن أنقرة تمارس بلطجة دولية، بعدم الاعتراف بقبرص، ومخالفتها لاتفاقية الأمم المتحدة لعلوم البحار.

وطبعا أردوغان يريد من ذلك أن يكيد سياسيا لمصر، خاصة وأن عزلة تركيا تزداد مع الاكتشافات والاحتياطات الكبيرة لغاز شرق المتوسط، إضافة إلى احتمالات انضمام دول جديدة بالمنطقة مثل سوريا ولبنان، لمنتدى غاز المتوسط الاقتصادي الذي انضمت له 7 دول في 2019 هي مصر وإيطاليا، واليونان، وقبرص، والأردن، وإسرائيل، وفلسطين عدا تركيا، ومقره القاهرة، وقد حرصت مصر على أن تكون فلسطين به لتثبت للعالم أن فلسطين دولة ذات سيادة مثل إسرائيل بالضبط.

وأردوغان يعلم جيدا أن مصر قادرة على رد تحرشاته في منطقة حقل ظهر، وقد أظهرت البحرية المصرية قوتها ضد بعض القطع البحرية العسكرية التركية مما اضطرها إلى الفرار؛ مما يؤكد التخطيط السليم لشراء الأسلحة البحرية المتطورة والتي تردع دولة مارقة مثل تركيا من احتلال مقدرات مصر من الغاز في البحر المتوسط، وبما يؤكد نظرية أن السلاح ينبغي أن يقدم على الطعام، وإلا فستنهار الدولة دون سلاح، ولن يوجد بها أصلا طعام، لكن أردوغان يريد أن يمارس دور البلطجي فلعل دولة من المنطقة مثل اليونان أو قبرص أو مصر تستدعيه وتعوضه بالمال عن الغاز، وهو بتحرشاته يصرف نظر المعارضين له وشعبه عن خسائره السياسية والاقتصادية الكبيرة وعن ديكتاتوريته الواضحة.

كما أنه بذلك يرضي جماعة الإخوان الإرهابية، وقد حذرت الخارجية المصرية تركيا، من اتخاذ أي إجراء أحادي الجانب فيما يتعلق بأنشطة حفر أعلنتها في منطقة بحرية غرب قبرص. وقالت، في بيان، إن إقدام تركيا على أي خطوة دون الاتفاق مع دول الجوار في منطقة شرق المتوسط، قد يكون له أثر على الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكدة ضرورة التزام كافة دول المنطقة بقواعد القانون الدولي وأحكامه.

ويحمل هذا البيان تأكيدا بأن القاهرة لن تسمح بأي تهديد للأمن في هذه المنطقة، بمعنى أن المسألة هنا حياة أو موت بالنسبة للاقتصاد المصري، حيث إن تلك المنطقة تتدفق منها كميات من الغاز القادم من حقل ظهر. ومن جانبها، أعربت "فيديريكا موغريني" مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، عن "قلقها البالغ" حيال إعلان تركيا نيتها القيام بأنشطة تنقيب في المنطقة. وأعربت موسكو عن قلقها إزاء التصعيد في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.

الجريدة الرسمية