رئيس التحرير
عصام كامل

الشعراوي: الاعتكاف تدريب على التقوى


في حوار أجرته معه مجلة "آخر ساعة"، عام 1981، قال الشيخ محمد متولي الشعراوي، عن سنن رمضان:

"دخلنا العشر الأواخر من رمضان، وسنة الاعتكاف فيها أن يخرج المؤمن من الألفة مع المكان والأهل إلى المسجد، وفي ذلك تعويد للإخلاص مع الله، والتدريب لرحلة أخرى هي تأدية الركن الخامس من الإسلام (الحج)، عندما يترك أيضًا أهله وبلده وماله للذهاب إلى بيت الله.. وفي العشر الأواخر أيضًا ليلة وصفها القرآن الكريم بأنها خير من ألف شهر، وعدم تحديدها قصد منه الحق إشاعة طلب الخير فيها، وكأنَّه، سبحانه، يريد أن يعلمنا أن نميزها في إحيائها حتى نتعرض لنفحاتها وخيراتها".

ويشرح الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي حكمة الارتقاء وتصعيد التكليف في الثلث الأخير من رمضان، ليكون المسلم في تمام صفائه، فيبين شروط الاعتكاف، وسلوك المعتكف، فيقول:
"في شهر رمضان المبارك تمتلئ المساجدَ بالمصلين، ويتسابق الناس على الصلاة في الصفوف الأولى.. فهل فعلًا الصلاة في الصف الأول لها ثواب أعظم من الصفوف التالية؟
ويجيب الشيخ الشعراوي: إن أي مكان في بيت الله هو لمن سبق إلى نداء الله، وقد يظنُّ إنسانٌ أن الصلاة في الصف الأول لها ثواب أكثر من ثواب الصف الأخير.. لا، ليس ذلك صحيحًا.. لأنه ليس من المعقول أن يأتي إنسان إلى نداء الله متأخرًا ويتخطى رقاب الناس، ويضايقهم ليصل إلى الصف الأول.. إن الله هو الذي يُرَتِّب الصفوف.
وعلى الإنسان أن يسأل نفسه: كيف أدخل بيت ربي بهذا الأسلوب الذي أتخطى فيه رقاب الآخرين؟ إن على الإنسان المؤمن أن يجلس في أي مكان في المسجد دون مزاحمة لأن المعنى في دخول المسجد أن يتخلص الإنسان من الأنانية وصراع الحياة الدنيا، ويتفرغ تمامًا لمحبة الله والتعلق به، وأن الوجود في المسجد هو تجديد الإيمان، وتنقية الروح بصفاء جديد.

وإنْ صحَّ التشبيهُ فإننا نقول: إن بطارية القلب يتم شحنها بالصفاء والارتقاء بالوجود في رحاب الرحمن، ولحظة امتلاء القلب بالصفاء والارتقاء بالوجود، فعلى الإنسان أن يخرج إلى الحياة ليبدأ حركته بها بهمة ونشاط بعد أن أخذ من المسجد فيض الإيمان والتقوى والبر ورضاء الرحمن.

وردًّا على سؤال حول الحكمة في أن الاعتكاف في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان، قال:
المقصد من ذلك الارتقاء وتصعيد التكليف؛ رغبة في أن يكون المسلم في تمام الصفاء لأن صيام رمضان فيه تدريب الإنسان على الحرمان من أشياء كانت حلالًا، ولأن الأيام العشرة الأخيرة في رمضان هي سُنَّة للاعتكاف.. ففي ذلك اختيار أن يظل الإنسان في بيته وبين أهله، واختيار للإنسان أن يخرج من الألفة مع المكان والأهل. ولعلَّ في ذلك تعويدًا للإنسان أن يخلص أيامًا ويتدرب على الصفاء الذي يضيء الأعماق عندما يترك الإنسان أهله وماله، وفي هذا تدريب لرحلة أخرى هي ركن خامس من أركان الإسلام، وهي الحج، تلك الرحلة التي يترك فيها الإنسان أهله وبلده وماله وجاهه ويذهب إلى بيت الله.
وهكذا يصبح الاعتكاف تدريبًا على التقوى، وإعدادًا لرحلة الذهاب إلى الكعبة التي يتجه إليها كل مؤمن بالقلب، ويزيد بها علم اليقين وكأنه يراها عين اليقين.
والاعتكاف: قطع الحركة عن ذات المتحرك، فالإنسان حر في الانطلاق، والعبادات خروج من رتابة العادة، والاعتكاف يُشترط أن يكون في مسجد يمنع نفسه عن الحركة.. إنها دربة له لكي يمنع نفسه من أي شيء في الكون يشغله عن المكون.
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، إذا دخل العشر- أي العشر الأخيرة من رمضان - شد مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله.
وعنها رضي الله عنها، أنها قالت: كان رسول الله إذا أراد أن يعتكف، صلى الفجر، ثم دخل في معتكفه.
وتوضح السيدة عائشة سلوك المعتكف فتقول: السنة على المعتكف ألا يعود مريضًا ولا يشهد جنازة، ولا يمس المرأة، ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة، إلا لما لا بد منه، ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع.
الجريدة الرسمية